انس اليملاحي يكتب: الشباب وصناعة المستقبل

انس اليملاحي يكتب: الشباب وصناعة المستقبل

يعتبر الشباب الركيزة الأساسية لبناء قوة سكانية مؤهلة لخوض غمار التحديات التي بات العالم يعيشها في الظرف الحالي. وإن من أولى هذه التحديات التي تتوجب التعبئة من أجل إيلائها الاهتمام البالغ، تلك المرتبطة أساسا ومباشرة بالشباب والمتمثلة في دخول العالم مرحلة جديدة تعيشها المجتمعات والأمم حيث لا مجال للعرق أو الدين أو الهوية. إنه واقع فرضته موجة الثورة الرقمية التي تجتاح العالم اليوم، والتي قادت إلى قيام ثورات شعبية في العديد من الدول أو ساهمت في تغيير بعض الأنظمة السياسية. والأكثر من ذلك، أن هناك من أصبح يتحدث عن أن القرن القادم سيشهد ميلاد أمم افتراضية جديدة وحكومات افتراضية، مما يدفع منطقيا نحو خلق أجهزة جديدة تتماشى والمرحلة الراهنة. ولعل التجربة التي خاضها المغاربة في زمن كورونا، وفي مقدمتهم الشباب، سواء المتعلقة بتنظيم ندوات عن بعد أو الدراسة عن بعد أو اللجوء إلى خدمات القضاء عن بعد، يمكن أن تساعد على خلق أشكال جديدة على صعيد التنظيمات وفي مؤسسات الدولة لمواكبة العالم الرقمي الذي أصبح أمرا مفروضا .

لقد أصبح من الضروري الاستثمار في الشباب، علميا ومعرفيا وتكنولوجيا، لكونه السلاح الوحيد الذي سيقود العالم القادم، وهو المطلب الذي رافع، ويرافع من أجله حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل يميز طروحاته السياسية عن العديد من الأحزاب المغربية. فبحكم قدرته على استقراء المعطيات الاجتماعية والديمغرافية، يؤكد الاتحاد الاشتراكي على أن الشباب أساس التغيير البناء والإيجابي لأنه فاعل سياسي يؤثر بشكل كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إن المرحلة تستدعي أن نكون واعيين بدقتها وخطورتها، وأن نعلم جيدا خطورة المحاولات اليائسة التي يقوم بها البعض اليوم لإبعاد الشباب وإقصائه وتهميشه عن الفعل السياسي الملتزم. الخطورة كبرى على مستقبل بلادنا لأن المستقبل يصنعه الشباب الملازم المؤمن بالوطن وقضاياه المؤمن بقضايا الشعب، المؤمن بالفعل السياسي النبيل في خدمة الأمة.

إن مشاركة الشباب المغربي في الحياة السياسية ليس اختيارا، وإنما هو واجب وضرورة سياسية. لكن ما يلاحظه الجميع هو عزوف الشباب المغربي عن الفعل السياسي، ويكاد الجميع يتفق على ضرورة الوقوف على الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة. وعليه، من الضرورة العمل على فتح نقاش وطني حول المشاركة السياسة للشباب لما بعد هذه الجائحة من أجل الانخراط الفاعل في الاستحقاقات المقبلة واستقراء وجهات نظر الشباب حول المشاركة السياسية في الانتخابات القادمة.

وإن أنجع وسيلة لكل طامح إلى تغيير أحوال البلد الذي ينتمي إليه، هي ممارسة السياسة، وممارستها في مجالها الطبيعي أي المجال الحزبي، على اعتبار أن أهداف الأحزاب السياسية تتمثل، في نهاية المطاف، في تحسين تدبير الشأن العام وتأطير المجتمع. فبسبب وظائفها المهمة والمتعددة داخل الأنساق السياسية، يلعب الحزب دورا مهما في الاستقطاب السياسي نظرا لما يقوم به من عمل جماهيري يسهم في شيوع أفكاره ومبادئه وبرامجه، ويساعد على انفتاحه على المواطنين من أجل تقوية حضوره وسط المجتمع. لذلك، تعمل الأحزاب السياسية على مخاطبة كل فئات المجتمع من خلال الوصول إليها في أماكن تواجدها بالاستعانة بتنظيماتها، والتي من المفروض أن تكون قادرة على أداء هذه المهمة.

غير أن العمل السياسي أصبح يتطلب التأقلم مع الواقع الجديد. فمعلوم أن الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم، نتجت عنها مجموعة من التحولات والتغيرات على مستوى سلوكات وانتظارات وتطلعات الأفراد والمجتمعات. فقد أتاحت نوعا من المرونة في التواصل والسهولة في انتقال المعلومات، حتى أصبحت منصات التواصل الاجتماعي الفضاءات الأكثر استقطابا للأفراد، وهو المركز الذي تعزز مع ما فرضته جائحة كورونا من ضرورة الاعتكاف في المنازل.

إن المغرب واحد من الدول التي تأثرت من تداعيات هذه التحولات، إذ أصبحت أهم الحوارات المرتبطة بقضايا وانتظارات المغاربة، تنظم من داخل منصات التواصل الاجتماعي وخصوصا الفايس بوك، والذي أصبح يحتضن جزء مهما من النقاش السياسي. وهكذا، أصبح يمثل جزء كبيرا من المجال العمومي، وهو ما يفرض على الأحزاب السياسية، وخصوصا المنظمات السياسية الشبيبية الاشتغال عليه بجرأة أكبر. وبما أن الشباب يشكل نسبة مهمة من الهرم السكاني المغربي، ويمثلون الفئة العمرية الأكثر ولوجا لوسائل التواصل الاجتماعي، فإن التنظيمات السياسية مطالبة بأن تفكر وبشكل جدي، بل آني، في آليات تضمن حضورها من داخل هذه الوسائل. هذا ما لن يتأتى إلا إذا تجاوزت الأحزاب السياسية الفلسفة التنظيمية الكلاسيكية التي حكمت ولازالت تحكم اختياراتها التنظيمية، وانتقلت إلى فلسفة جديدة تشكل مدخلا لبناء تنظيمات سياسية مفتوحة ومرنة، تستفيد مما تتيحه الثورة التكنولوجيا من مزايا وفوائد كثيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *