انقلاب جنرالات جزائريين من أصحاب السوابق ضد ورثة الجنرال « القايد صالح »

محمد بوبكري

لقد سبق أن كتبت ورقة توقعتُ فيها ألا يغير « جو بايدن » الرئيس الجديد للولايات المحتدة الأمريكية قرار الرئيس السابق « دونالد ترامب » الذي تعترف فيه الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما حصل إذ ذكرت مؤخرا مصادر دبلوماسية لجريدة معاريف الإسرائيلية أكدتها جريدة الشرق الأوسط، استنادا إلى مصادر داخل الحزب الديمقراطي، أن الرئيس بايدن قد استقبل بترحيب قرار المغرب بإعادة علاقاته مع إسرائيل وكذا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. كما ذكر المصدر ذاته أن إدارة الرئيس الجديد تعتبر المغرب حليفا أساسيا يمكن الاعتماد عليه بكونه محاورا أساسيا في منطقة شمال أفريقيا، مستبعدة بذلك أية نية لدى الإدارة الجديدة للتراجع عن قرار الإدارة السابقة. وأضاف بايدن، حسب المصدر السابق، أن القرار الأمريكي بالاعتراف بالصحراء جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة المغربية هو تطور طبيعي للمواقف الأمريكية منذ إدارة الرئيس رونالد ريغان الداعمة للملكة، وأنه ما كان ليمر دون موافقة كافة أركان الدولة الأمريكية من مصالح الخارجية والدفاع والاستخبارات، وليس وليد فكر شخص معين.

تؤكد هذه المعطيات أن أوهام خصوم الوحدة الترابية قد تبخرت، إذ كانوا يتمنون أن يقوم الرئيس جو بايدن بإعادة النظر في قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الذي اتخذه الرئيس السابق  » دونالد ترامب »، لحقدهم على المغرب، وذلك ما دفعهم إلى اختلاق مختلف الدعايات المغرضة والتهم الباطلة ضد بلدنا.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن حكام الجزائر بذلوا كل ما في وسعهم، واستعملوا أساليب ووسائل دنيئة من أجل النيل من الوحدة الترابية المغربية، لكنهم فشلوا في كل مؤامراتهم، حيث كانوا يرغبون في ضرب مصالح المغرب في كل مكان. ونظرا لفشل الاستخبارات الخارجية الجزائرية في الصحراء المغربية وموريتانيا ودول الساحل وليبيا، فقد لجأ الجنرال « محمد بوزيت » المسمى  » الجنرال يوسف » مدير هذه الاستخبارات إلى الإقدام على مغامرة ضد مصالح المغرب، وذلك لتجنب مقصلة الإقالة التي كانت تنتظره، لأن جنرالات الجزائر يعتبرونه مسؤولا عن فشل إدارة الاستخبارات الجزائرية التي لم تراكم سوى الفشل في مهامها، حيث أبانت عن ضعف أساليبها وعدم نجاعتها… فنظرا لكون النيجير تقع جنوب الجزائر، حيث تبلغ حدودهما المشتركة حولي 950 كلم، ارتأى « محمد بوزيت » التدخل في الانتخابات الرئاسية النيجيرية، والمراهنة على المترشح  » محمد بازوم »، فوعده بدهم مادي في حملته الانتخابية، شريطة أن يدعو هذا الأخير فائدة عصابات البوليساريو « إبراهيم غالي » لحضور مراسيم تنصيبه بعد نجاحه في الانتخابات.

ومن الأكيد أن هذا الجنرال كانت له نوايا أخرى، حيث كان سيطلب من الرئيس الجديد أن يعرقل مشروع أنبوب غاز نيجيريا الذي سيمر عبر النيجر، ثم إلى المغرب وصولا إلى أوروبا، وسيتم تسويقه في مختلف البلدان الأروبية غربية وشرقية، ما سينافس كلا من الغاز الروسي والجزائري. وقد تم نقل الأموال التي وعد بها الجنرال « بوزيت » المترشح « محم بازوم » إلى النيجير على متن طائرة عسكرية جزائرية في سرية تامة، حسب توهم هذا الجنرال. لكن الغباء السياسي والاستخباراتي لهذا الجنرال خال بينه وإدراك حقيقة أن بلاد الساحل تشكل منطقة إستراتيجية بالنسبة لمختلف القوى الغربية، إذ لها أجهزة استخباراتية في هذه المنطقة تكمن مهمتها في فهم ما يجري، خصوصا أن محاولته تخدم المصالح الإستراتيجية الروسية، وأن تلك الاستخبارات تراقبه، ومن ثمة فقد انكشف عمله وافتضح أمره، فانتهى الأمر بإقالته من مهامه وتعويضه بالجنرال محفوظ الذي هو أحد أتباع الجنرال توفيق.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن إطلاق سراح توفيق المحكوم عليه بـ 15 سنة سجنا، وعودة الجنرال الدموي خالد نزار من منفاه الإسباني الذي فر إليه هربا من الحكم الذي صدر في حقه بـ 20 سنة سجنا، قد تزامن تقريبا مع إطلاق سراع سعيد بوتفليقة وجنرالات آخرين، واغتيال أحد الجنرالات وسجن عدد من ضباط الجيش من أتباع اللواء القائد صالح، وتبرئة الجنرال توفيق والجنرال نزار وآخرين، لأنهما تحالفا مع الجنرال سعيد شنقريحة الحاكم الحالي للجزائر الذي هو في حاجة إليهما ولعصابتهما لعدم قدرته على تدبير المرحلة، ما يعني أن هذا الحلف الجديد قد انقلب على ورثة الجنرال « القايد صالح » وعصابته.

لا يمكن للعقل المتأمل في حدوث هذه الامور ألا يستنتج أن هناك صراعا كبير على السلطة في الجزائر اليوم، نجم عنه انقلاب جناح عسكري ضد جناح آخر، حيث لا يتعلق الأمر بانقلاب ضد « عبد المجيد تبون » الذي لا يحكم، إذ بعثه جنرالات الجزائر من جديد إلى ألمانيا بدعوى العلاج في أحد المستشفيات الألمانية مع أن مسؤولويه قرروا ترحيله، لأن المخابرات الجزائرية في المستشفى الألماني أصبحت تزعج مسؤولي المستشفى وأطره، فضلا عن تعاملها بغلظة وقسوة مع النزلاء الألمان في هذا المستشفى، وتجاوزها ذلك إلى حد التعسف على زوارهم.

هكذا، فإن الأمر يتعلق بانقلاب جناح من الجنرالات على جناح آخر بهدف الانتقام منه والاستيلاء على السلطة من جديد، ومن ثمة نهب عائدات البترول والغاز الجزائريين التي هي ملك للشعب الجزائري.. فقد يدعي هؤلاء الجنرالات الجدد الإصلاح، لكن هذا لا يهمهم في شيء. فما يهمهم هو التسلط على الشعب الجزائري ونهب أمواله، حيث سبق لهم أن وعدوا بذلك ونقضوا عهدهم، بل إنهم احتالوا على الشعب الجزائري وجوعوه وشردوه وقتلوه برصاصهم.

وما يمكن استخلاصه من التأمل في هذه الأحداث المأساوية وغيرها هو أن التاريخ يعيد نفسه في الجزائر، لأن ما حدث في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وما تلاه من مجازر « العشرية السوداء » وانقلاب على المرحوم الشاذلي بنجديد، واغتيال للمرحوم بوضياف أصبح يتكرر تقريبا اليوم في الجزائر على يد بعض الأشخاص الذين زرعوا الفتن في هذا البلد في تسعينيات القرن الماضي عبر اختراق جماعات الإسلام السياسي وتوظيفها لزعزعة الاستقرار لترهيب الشعب الجزائري، وجعله يرضخ لهم بحجة مواجهة الإرهاب. لذلك، يبدو لي أن الأمر في الجزائر يتعلق بشريط سينيمائي هيتشكوكي هدفه فرض سلطة الجنرالات عبر إغراق الجزائر في بحار الدماء لإسكات الشعب الجزائري والاستيلاء على خيراته.

لذلك، أخشى أن تتكرر سيناريو « العشرية السوداء » في الجزائر، لأننا في المغرب نحب الشعب الجزائري الشقيق ونتمنى له السلام والاستقرار والازدهار عبر بناء دولة مدنية ديمقراطية..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *