بفلم: هشام برجاوي
أستاذ القانون الدولي – جامعة محمد الخامس، الرباط.

اتسم القرار رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة حول الصحراء المغربية بعدة مواصفات تميزه عن القرارات السابقة، وهو ما يتيح النظر إليه كمنعطف بارز في كيفية تعامل هذا الجهاز الأممي المكلف بحماية الأمن والسلم الدوليين، مع ملف الصحراء.
من حيث الصياغة والجهاز المفاهيمي، امتاز نص القرار بالاقتضاب، ذلك أنه تحاشى الإسهاب، وتفادى العبارات القابلة لتعدد التأويلات أو غير المنشئة لالتزامات واضحة، بل إن استناده الصريح إلى مبادرة الحكم الذاتي، يضفي عليه طابعا معياريا كاملا.
ومما زاد من الطابع المعياري للقرار، اعترافه بالدعم الدولي الواسع الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي، واعتباره إياها، في العديد من بناءاته وفقراته، أساس التفاوض بين الأطراف.
إضافة إلى الشكل والمضمون، يُسَجَّل أن العديد من كبريات وسائل الإعلام العالمية، اعتبرت القرار داعما، بصفة حاسمة، للمغرب، ومن بينها وسائل إعلام تتبنى خطا تحريريا غير متجاوب تماما مع مبادرة الحكم الذاتي.
يلاحظ، أيضا، أن القرار يترجم منظور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تدبير الملفات الدولية، حيث يتميز هذا المنظور بوضع مفردات مرجعية لكل ملف على حدة.
وفي هذا الصدد، لابد من التذكير بأن صناع القرار في واشنطن لا ينساقون وراء الحتميات، ما يعني، تبعا لذلك، أن الملفات المتشابهة لا تحسم، بالضرورة، بنفس الحلول، بل إن لكل ملف خصوصيته ومفرداته المرجعية Les termes de référence التي يتفرد بها عن ملفات أخرى، وهو ما حذا بالإدارة الأمريكية إلى تأييد مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد ومطابق لمعطيات وخصوصيات ملف الصحراء المغربية.
تجدر الإشارة، كذلك، إلى أن صناعة القرار رقم 2797 ارتبطت باستعداد داخلي مغربي، امتد لأكثر من ربع قرن، واتسم بالتدرج في توفير المستلزمات القبلية، وخاصة على المستويين القانوني والتنموي.
لقد وجه الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش سنة 1999، ما يفوق 200 خطاب ورسالة خلال مناسبات وطنية ودولية متعددة، اتسمت بحضور وازن لقضية الصحراء المغربية، وهو ما يبين حرص رئيس الدولة على إدارة هذا الملف بتناسب بين التَّبْيِئَتين الداخلية والخارجية، كما يبين اهتمامه بالتواصل المنتظم مع المغاربة، لإطلاعهم على المستجدات المفصلية التي يشهدها مسار حل النزاع حول الأقاليم الجنوبية للمملكة.
جدير بالذكر، كذلك، أن إرهاصات ابتكار حل ترابي، في إطار السيادة المغربية، انطلقت منذ خطاب الذكرى 25 للمسيرة الخضراء بتاريخ 06 نونبر 2000، الذي أشار فيه الملك إلى حل سياسي في ظل السيادة المغربية، يتأسس على تفعيل الجهوية، التي من شأنها تمكين جميع أبناء الأقاليم الجنوبية من تدبير جهتهم وتنميتها.
وفي خطاب 6 نونبر 2010، جدد الملك الربط بين الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية. وقد أفضى تطبيق الجهوية المتقدمة منذ 2015، وقبلها المسار التراكمي للامركزية الترابية والديمقراطية المحلية، إلى منح الساكنة ونخبها، كفايات وخبرات وتراكما وازنا، في تدبير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وكذا في التخطيط التنموي، مما سيؤهلها، في وقت لاحق، للإسهام الفعال في إرساء الحكم الذاتي.
وعليه، فإدراج حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية في سياق اللامركزية الترابية والجهوية، ينتمي إلى مسار متدرج، يجد منبعه في خطاب 6 نونبر 2000 سالف الذكر، أي منذ السنة الثانية من تولي الملك محمد السادس عرش المغرب.
وفي خطاب 03 يناير 2010، و الذي ألقي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، جدد الملك التأكيد على إيلاء الأقاليم الجنوبية موقع الصدارة في الجهوية المتقدمة التي يعتزم المغرب تنفيذها.
وتأسيسا على ما سبق، فالحكم الذاتي ليس حلا مستوردا أو مستجدا، كما تردد ذلك بعض الأوساط المعادية للمغرب، بل هو حل توصل إليه العقل القانوني المغربي، ومهد لتفعيله قانونيا وتدبيريا وتنمويا.
إن التدرج في بناء الجهوية المتقدمة وحضورها الوازن، كحامل قانوني لتفعيل الحكم الذاتي، يثبت أن المغرب يتوفر على برنامج عملي قابل للتطبيق، ومتدرج، ومكرس للانفتاح الدولي، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب.
ولابد هنا من الإشارة إلى عبارتين هامتين، وردتا في الخطاب الملكي الأخير، أولاهما: “السيادة الاقتصادية للمملكة على الأقاليم الجنوبية” التي تبين أن السياسة الخارجية للمغرب، اعتمدت التقارب الاقتصادي، كوسيلة تمهد للحل السياسي، فالشريك الذي يقبل الانخراط في التعاون الاقتصادي سيقبل، بالنتيجة، التعاون السياسي، وهذه من شواخص واقعية السياسة الخارجية المغربية.
أما العبارة الثانية فتتجلى في قول الملك: “يبقى المغرب حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”. تظهر، هذه العبارة، أن المغرب يعتبر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2797، انتصارا للقانون الدولي، وإنصافا للمغرب، وفرصة ملموسة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري الكفيل بإحياء الاتحاد المغاربي، وبتقديم إجابات مشتركة لأسئلة التنمية والأمن بالصحراء والساحل.
وهذا التوجه يعتبر امتدادا منطقيا للخطاب الملكي بتاريخ 6 نونبر 2007، وهي السنة التي تقدم خلالها المغرب بمبادرة الحكم الذاتي إلى منظمة الأمم المتحدة، حيث تمت الإشارة إلى أن الغاية من هذه المبادرة تتجلى في تفعيل الاتحاد المغاربي، وتسخير طاقات شعوبه، لتحقيق التنمية ورفع تحدياته الحقيقية التنموية والأمنية، الجهوية والدولية.
لقد حقق المغرب انسجاما رصينا بين المداخل الثلاث لإنهاء النزاع حول أقاليمه الجنوبية: المدخل القانوني والمدخل التنموي والمدخل الدبلوماسي، وهو ما أكسب مبادرته ثقة القوى الدولية الكبرى، وأتاح لها اجتياز التصويت عبر مجلس الأمن بأفضل النتائج الممكنة، حيث تراوحت مواقف الأعضاء الخمس الدائمين بين التأييد الصريح وعدم الاعتراض الذي يعني، بصيغة أخرى، التأييد الضمني.
وحري بالذكر أيضا أن تكريس مجلس الأمن الأممي لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يجعل أي مقترح خارج هذا الإطار مخالفا للشرعية الدولية وبمثابة تهديد للأمن والسلم الدوليين.






