برلمان الأغلبية الصامتة.. تشريع في خدمة الحكومة ومعارضة بلا تأثير!

اختتم البرلمان بغرفتيه الدورة التشريعية الخريفية، وككل نهاية دورة يتكرر السؤال حول الحصيلة الفعلية لهذه المؤسسة، ومدى قدرتها على القيام بدورها الدستوري في التشريع والرقابة. غير أن هذا التساؤل يصبح بلا قيمة إذا لم يتم وضعه في سياق طبيعة البرلمان نفسه، وعلاقته بالسلطة التنفيذية، ومدى استقلاليته في اتخاذ القرارات والتأثير في السياسات العمومية.

في النظام الدستوري المغربي، يُفترض أن يكون البرلمان سلطة تشريعية مستقلة، لها دور في سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة، إلا أن الواقع يُظهر أن الأغلبية البرلمانية تحولت إلى مجرد امتداد للسلطة التنفيذية، ما أفقدها دورها الأساسي في التأثير على التشريعات أو تحسينها. منذ تشكيلها، ظهرت الأغلبية الحالية ككيان سياسي هش، فرضته ترتيبات انتخابية قادها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي ضمن تحالفه مع الحزبين الحاصلين على المرتبتين الثانية والثالثة، مما أدى إلى تقليص هامش المعارضة وإضعاف دور البرلمان كمؤسسة تشريعية مستقلة.

وبدل أن تكون الأغلبية البرلمانية قوة اقتراحية تمثل مختلف فئات الشعب، أصبحت مجرد آلية لتمرير مشاريع القوانين الحكومية، دون أي نقاش جوهري أو تعديلات جوهرية تعكس تنوع الآراء والاحتياجات المجتمعية، وهي الدينامية التي جعلت البرلمان يتحول إلى غرفة تصويت، حيث يتم إقرار القوانين وفق أجندة معدة سلفًا، ما يجعل دوره شكليًا أكثر من كونه سلطة حقيقية في صناعة القرار.

وأبرز مثال على ذلك هو القانون المنظم للإضراب، الذي أثار موجة رفض قوية داخل الأوساط النقابية، نظرًا لطريقة إعداده التي افتقرت للحوار والتوافق، حيث تم تمريره دون إشراك النقابات، وهو ما أدى إلى أزمة بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، وزاد من حدة التوتر بين الطرفين، وهو القانون الذي يعكس بوضوح توجه التشريعات الأخيرة، التي جاءت لتخدم المصالح الاقتصادية الكبرى، بدل أن تعكس توازنًا بين حقوق العمال ومتطلبات الاقتصاد.

وعند تقييم الحصيلة البرلمانية، لا يمكن الاكتفاء بعدد القوانين التي تم تمريرها، بل يجب النظر إلى محتواها ومدى استجابتها لمتطلبات العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي. لكن الواقع الحالي يشير إلى أن البرلمان أصبح مسرحًا لتمرير سياسات جاهزة، دون أن يكون فضاء للنقاش الجاد حول القضايا الكبرى التي تؤثر على المواطنين. هذه الوضعية تعزز الانطباع بأن البرلمان لم يعد سلطة مستقلة، بل تحول إلى مؤسسة تابعة، فاقدة لروح المبادرة والقدرة على فرض أولويات تشريعية تعكس مصالح الشعب بمختلف فئاته.

مع هذا الوضع، يصبح الحديث عن الحصيلة البرلمانية حديثًا نظريًا، إذ أن المشكلة لا تكمن فقط في عدد القوانين المصادق عليها، بل في طبيعة العلاقة بين السلط، وفي انعدام الإرادة السياسية لجعل البرلمان فضاءً حقيقيًا للنقاش الديمقراطي.

وهذا السياق يجعل البرلمان الحالي بعيدًا عن لعب دوره الدستوري، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العمل التشريعي في ظل استمرار هذه المعادلة المختلة بين السلطة التنفيذية والمؤسسة التشريعية.