هاشتاغ _ أكرم الدرفوفي
في المغرب، لا شيء يضيع، كل شيء يُعاد تدويره، حتى الأفكار والمشاريع والسياسات العمومية. لكن المشكلة ليست في التراكم أو الاستمرارية، بل في السرقة الموصوفة للأفكار والمبادرات، وطمس جذورها، ونزعها من سياقها التاريخي والسياسي، لكن ما حدث مع “جواز الشباب” هو مثال صارخ على هذا العبث السياسي الذي يمارسه وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد، والذي يبدو أنه متخصص في إعادة تقديم ما سبق على أنه إبداع شخصي، دون أدنى اعتراف بأصحاب الفكرة أو حتى الإشارة إلى امتدادها التاريخي.
وزير الشباب والثقافة والتواصل، الذي لا يملك في رصيده أي اجتهاد فكري أو فلسفي في تدبير قطاع الشباب، لم يتردد في تقديم “جواز الشباب” كمنتوج جديد، في مشهد أقرب إلى عمليات الاستنساخ الرخيصة التي تفتقد للأصالة والاعتراف، حيث أن بطاقة الشباب، التي كانت مشروعًا فكريًا واجتماعيًا لمحمد الكحص الذي شغل منصب كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والشباب مكلف بالشباب في حكومة أدريس جطو الأولى، وجدت نفسها فجأة في يد وزير لم يجد حرجًا في محو تاريخها ونسبها إلى نفسه. وكأن المغاربة بلا ذاكرة، وكأن المؤسسات تشتغل بمنطق الانفصال التاريخي عن ما سبق، وكأن الاعتراف والاستمرارية أمران هامشيان في تدبير الشأن العام.
إن السرقة السياسية ليست فقط في نزع ملكية مشروع “بطاقة الشباب” من أصحابه الحقيقيين، بل في إلباسه عباءة جديدة وتسويقه كاختراع غير مسبوق، حيث أن الوزير لم يكلف نفسه عناء الاعتراف بأن الفكرة ليست وليدة لحظته، ولم يبذل جهدًا في توضيح أن ما قام به ليس أكثر من استمرارية لما بدأه من سبقه. وهنا تكمن المشكلة الأخلاقية والسياسية: متى أصبح الاعتراف بالمجهودات السابقة عيبًا؟ لماذا يتم إقصاء وتجاهل كل ما له علاقة بحكومة سابقة أو وزير من حزب آخر؟ ألهذا الحد وصل العجز عن إنتاج الأفكار الجديدة، حتى بات الحل هو السطو على المشاريع السابقة وإعادة تقديمها كإنجازات فردية؟
من المخجل أن يتحول التدبير الحكومي إلى مجرد عملية تجارية للتغليف والتسويق، حيث يُعاد بيع نفس المنتوج بتسمية مختلفة وشعارات زائفة، دون أي تطوير جوهري أو إضافة نوعية. وعوض أن يكون المهدي بنسعيد وزيرًا يعمل بمنطق بناء المؤسسات وتعزيز استمرارية السياسات العمومية، قرر أن يكون مجرد “رجل إعلانات” يتفنن في تغيير أسماء المشاريع وإلباسها حلة جديدة، متوهمًا أن المغاربة لن يكتشفوا الخدعة.
إن هذا النموذج من التدبير الحكومي يفضح إفلاسًا سياسيًا وأخلاقيًا خطيرًا، حيث إذا كان الوزراء لا يجدون حرجًا في سرقة مشاريع أسلافهم وإعادة بيعها كإنجازات شخصية، فكيف يمكن الوثوق في التزاماتهم وبرامجهم؟ وإذا كانت الحكومات المتعاقبة لا تعترف بمجهودات بعضها البعض، فما الجدوى من الحديث عن استمرارية الحكومة؟
باختصار شديد، الحقيقة تبقى واضحة مهما حاول البعض تزويرها، “جواز الشباب” ليس إلا “بطاقة الشباب” بعملية تجميل رديئة، ووزير الشباب والثقافة والتواصل ليس أكثر من وزير يعيد تغليف المشاريع السابقة ليبيعها من جديد في سوق الوهم السياسي.