هاشتاغ:
قدم محمد بنعبد القادر، وزير العدل، يوم الاربعاء 22 ابريل الحاري، مشروع القانون رقم 95.17 يتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية أمام لجنة العدل و التشريع و حقوق الانسان بمجلس النواب
وفي كلمته التقديمية، لمشروع القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية، حيث قال بنعبد القادر انه، يأتي في سياق استكمال تنزيل المخطط التشريعي الذي التزمت به وزارة العدل في مجال إصلاح منظومة العدالة ، و تحديث و تطوير المنظومة القانونية الوطنية المؤطرة لمجال المال و الأعمال.
وقال وزير العدل، إن التحولات الاقتصادية و التكنولوجية التي بات يعرفها عالمنا المعاصر أدت إلى انفتاح الأسواق على التجارة الدولية، وإلى مرونةٍ وسرعةٍ في انتقال الأموال بفعل العولمة، وبروز تنافسيةٍ دوليةٍ على مستوى تحسين مناخ الأعمال، الأمر الذي نتج عنه تحولٌ متسارعٌ في بنية الاقتصادات الوطنية والعالمية.
واضاف المسؤول الوزاري، أمام هذه التطورات المهمة، دشنت المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده إصلاحات عميقة في المجال الاقتصادي ، واكبها تحديث للمنظومة القانونية المؤطرة للمال و الاعمال ، حيث تم تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبات المقاولة ، و تم تعديل القوانين المتعلقة بالشركات التجارية ، كما تم إصدار قانون الضمانات المنقولة ، و غيرها من النصوص الأخرى التي جعلت من المغرب بلدا جاذبا للإسثمار ، وقطبا اقتصاديا قادرا على مواجهة التحديات و الرهانات المتزايدة ، و عززت من مكانة المملكة المغربية على الصعيد الدولي ، كبلد يحظى بالمصداقية والاحترام من طرف المستثمرين و مختلف الفاعلين الاقتصاديين والماليين.
واعتبر بنعبد القادر، إن توفير المناخ المناسب للاستثمار لا يتوقف عند تحديث التشريعات و القوانين فقط ، بل ، و كما اكد على ذلك جلالة الملك حفظه الله في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية لمؤتمر العدالة بمراكش يومي 21 و 22 أكتوبر 2019 ، يتجاوزه إلى توفير الضمانات القانونية و الاقتصادية الكفيلة بتحقيق الثقة في النظام القضائي ، و توفير الامن الكامل للمستثمرين و إقامة نظام قانوني ملائم يتوخى الحد من المنازعات.
وأبرز وزير العدل، أهمية الوسائل البديلة في حل المنازعات ، و منها الوساطة و التحكيم كآلية فعالة تحقق السرعة والمرونة والفعالية في المساطر، والسرية في الإجراءات، والاقتصاد في النفقات، والحفاظ على الروابط الاقتصادية والتجارية بين الأطراف،فضلا عن ترسيخ السلم الاجتماعي.
مذكرا، بأهمية الوسائل البديلة في عصرنا الحالي أصبحت تشكل، في إطار العدالة التصالحية، أداة استراتيجية، ليس فقط لتشجيع التجارة والاستثمار، وإنما أيضا لإعادة بناء العلاقات بين مختلف الفاعلين.
فالتجارة والاستثمار كمبادرة حرة تطبعها روح المغامرة ، من الطبيعي أن تواجهها بعض الصعاب المالية ، الأمر الذي يستدعي البحث عن حلول عاجلة تحرص على تطويق هذه الصعوبات قبل أن تتفاقم ، فتتعدد آثارُها وتتعقد سبلُ حلها، مما يدفع بالأطراف المعنية إلى الابتعاد عن تعقيدات التقاضي وعلنية جلساته وتعدد درجاته باللجوء إلى التحكيم أو الوساطة كوسيلة بديلة للقضاء الاحترافي أو الرسمي من أجل فض النزاعات، لاسيما ما يتعلق منها بالمعاملات التجارية الدولية، وذلك على أسس ودية وتفاوضية تسعى إلى تقريب وجهات نظر ومواقف المتنازعين، وتجاوز الصراعات الذاتية والخلافات الشخصية والحسابات الضيقة، وإنشاء علاقات تقوم على الحوار والتواصل والتفاهم.
واعتبر وزير العدل، إذا كان التشريع المغربي قد عرف نظام التحكيم في شكله النظامي منذ سنة 1913 من خلال قانون المسطرة المدنية القديم ، فإن قانون المسطرة المدنية الصادر سنة 1974 قد أعاد التنصيص على هذه المسطرة في المواد من 306 إلى 327 منه ، دون ان يتعرض للوساطة كآلية بديلة لحل المنازعات ، و دون أن يتطرق لآلية التحكيم الدولي رغم ما لها من أهمية في مجال المال و الاعمال و الاستثمار ، لذلك ، و اعتبارا لهذه النواقص ، فقد تم خلال سنة 2007 إصدار قانون جديد يحمل رقم 08.05 يتعلق بسن قواعد جديدة تنظم التحكيم و الوساطة الاتفاقية ، حيث تم نسخ الفصول من 306 إلى 327 من قانون المسطرة المدنية ، و تعويضها بالفصول من 306 إلى 70/327 .
مشيرا، للتطور الذي شهده المغرب في المجال الاقتصادي والقانوني، ومواكبة للأوراش الكبرى التي تم فتحها، و التي استهدفت بالأساس دعم المقاولات و خلق بيئة مناسبة لإنتاج الثروة و الاستثمار و تنشيط الدورة الاقتصادية ، و تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك و الشعب ، و التي أكد من خلالها جلالة الملك حفظه الله على “ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة و التحكيم و الصلح” ، و هي ذات التوجيهات التي أكد عليها جلالته في رسالته السامية الموجهة الى المشاركين في الدورة الأولى لمؤتمر العدالة الذي انعقد بمراكش أيام 02 و 03 و 04 من سنة 2018 ، و كذا الرسالة الموجهة للمشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر المذكور الذي انعقد بمراكش يومي 21 و 22 أكتوبر 2019 ، حيث قال جلالته “سبق أن أكدنا في خطابنا بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب لسنة 2009 على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة و التحكيم و الصلح ، و هي التوجيهات التي ضمناها رسالتنا لمؤتمركم هذا في دورته الأولى ، حيث دعونا فيها إلى مأسسة الوسائل البديلة لحل المنازعات.
وقال وزير العدل، استجابة للرغبة الملحة للمستثمرين في تبسيط و تسريع المساطر الإدارية و القضائية ، فقد تم إعداد مشروع مدونة خاصة بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية في أفق عرضه على مسطرة المصادقة ” انتهى مقتطف الرسالة الملكية.
و تنزيلا للتوصيتين رقم 137 و 138 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة اللتين أكدتا على ضرورة تطوير نظام الوساطة كحل بديل لفض النزاعات ، و تشجيع اللجوء إلى الصلح و التحكيم ؛
و أيضا التوصية الصادرة عن الندوة الدولية التي نظمت من طرف محكمة النقض و هيئة المحامين بأكادير و القطب المالي بالدار البيضاء و غرفة التجارة الدولية في موضوع آفاق التحكيم الدولي يومي 05 و 06 دجنبر 2014 بأكادير ، و التي أكدت على ضرورة إعداد مدونة خاصة بالتحكيم تكون مستقلة عن قانون المسطرة المدنية.
لكل هذه الاعتبارات فتحت وزارة العدل ورش إعداد مدونة خاصة بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية ، وفق مقاربة تشاركية ، تميزت بإشراك كل الفاعلين والمتدخلين في هذا الموضوع ، ومنهم القضاة والمحامون والأساتذة الجامعيون والحقوقيون، والمحكمون والوسطاء ، ومختلف المهتمين بهذا الموضوع ، أفضت إلى إعداد مدونة متكاملة، هي المعروضة على أنظار المجلس الموقر هذا اليوم يقول وزير العدل.
وحول الهندسة القانونية قال بن عبد القادر، يتكون مشروع هذا القانون من 107 مادة موزعة على ثلاثة أقسام، و هي: القسم الأول خاص بالتحكيم ، و هو موزع على ثلاثة أبواب ، الأول منها خاص بالتعريف و القواعد العامة ، و الثاني مخصص للتحكيم الداخلي ، و الثالث مخصص للتحكيم الدولي ، أما القسم الثاني فيتعلق بالوساطة الاتفاقية ، فيما يتعلق القسم الثالث بأحكام متفرقة .
وحسب نفس المتحدث، يمكن إجمال أهم المستجدات التي جاء بها المشروع الجديد كما يلي :
1-توسيع مجال التحكيم الداخلي ليشمل كذلك النزاعات ذات الطابع المدني، وذلك تيسيرا لفض النزاعات خارج نطاق محاكم المملكة، لما تتضمنه هذه الوسيلة من اقتصاد في الوقت ومرونة في المساطر وتخفيف العبء على المحاكم، حيث تم إسناد الاختصاص بمنح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية المتعلقة بالمادة المدنية لرئيس المحكمة الابتدائية ؛
2-اعتبارا لكون التحكيم وسيلة من الوسائل البديلة لحل النزاعات تقوم على أساس اليسر في الإجراءات، والابتعاد عن مساطر القضاء الاحترافي، تم اعتماد خيار عدم إخضاع المحكم لرقابة أي جهة قضائية، مع ترك أمر تحديد لائحة المحكمين لنص تنظيمي، وتخويل أطراف النزاع ورئيس المحكمة، حسب الحالة، إمكانية تعيين الهيئة التحكيمية من خارج قائمة المحكمين ؛
3-إسناد اختصاص منح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية الصادرة في إطار التحكيم الداخلي في المادة الإدارية لرئيس المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها، أو لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني، بدل المحكمة الإدارية حسب قانون المسطرة المدنية الجاري به العمل، وذلك بهدف توحيد جهة الاختصاص المانحة للصيغة التنفيذية في رئيس المحكمة، وكذا تحقيقا للسرعة والمرونة المطلوبة في منح هذه الصيغة التنفيذية ؛
4-إسناد اختصاص تعيين الهيئة التحكيمية في مجال التحكيم الدولي، إذا اعترضت الأطراف صعوبة في تشكيلها، لرئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء بدل رئيس المحكمة التجارية بالرباط، وذلك إذا اتفق الأطراف على تطبيق قانون التحكيم المغربي، باعتبار أن أغلب المعاملات التجارية الدولية تتم بمدينة الدار البيضاء، وكذا لاحتضانها للقطب المالي ؛
5-انسجاما، من جهة أولى، مع التوجه الجديد الذي تبناه المشرع المغربي بخصوص استغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة في المعاملات القانونية كالمنصات الالكترونية والتسجيل الالكتروني في بعض السجلات، ومن جهة ثانية، مع ما تتطلبه عملية حل النزاعات عن طريق الوسائل البديلة من سرعة ويسر وفعالية، تم التنصيص في مشروع هذا القانون على إمكانية إبرام اتفاق التحكيم واتفاق الوساطة الاتفاقية بواسطة رسالة إلكترونية معدة وفقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل.
ويضيف وزير العدل، إنه مباشرة بعد توجيه جلالة الملك حفظه الله لتوجيهاته السامية المضمنة في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الدورة الثانية لمؤتمر العدالة بمراكش يوم 21 أكتوبر 2019 ، بشأن الإسراع لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود ، فقد تعبأت الوزارة ، و جندت أطرها للانكباب على هذا الموضوع ، و ذلك بتنسيق مع الأمانة العامة للحكومة و القطاعات الأخرى ، حيث تم تكثيف المشاورات و المناقشات لإنهاء الصياغة الخاصة بالمشروع في أسرع الآجال، وهو ما تم بالفعل، حيث قمنا بإعداد نص متكامل في زمن نعتبره قياسيا بالنظر إلى حجم المشروع وطبيعته و الإشكالات المرتبطة به والغايات و الأهداف المرجوة منه. و إن المشروع المعروض على انظار لجنتكم الموقرة ، هو عصارة مجهود شاركت فيه مجموعة من الفعاليات ، و أُخِذَ فيه برأي المتخصصين و الممارسين، و تم الاستئناس فيه بالتجارب الدولية و الممارسات الفضلى ، و ذلك لضمان فعاليته و جودته أثناء مرحلة التطبيق.
وفي الاخير ختم المسؤول الوزاري كلمته بالقول، الأكيد ان مناقشة هذا النص بلجنتكم الموقرة ، و الآراء و الملاحظات و الاقتراحات التي ستبدونها جميعا ، ستساهم بلا شك في تجويده و إخراجه في الحلة اللائقة به ، و هو ما سيجعل منه قيمة مضافة للترسانة القانونية الوطنية المؤطرة للمال و الاعمال و الاستثمار ، و سيعزز المجهودات المبذولة في هذا الاطار ، و سيمكن المملكة من التوفر على منظومة قانونية متكاملة و منسجمة في مجال المال و الاعمال.