بوبكري يكتب : الحراك الشعبي الجزائري: نريد دولة « مدنية ماشي عسكرية »

محمد بوبكري

لقد أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية البارحة بلاغا تتهم فيه المغرب وإسرائيل بأنهما يروجان لخبر عار من الصحة يتحدث عن التزام الجزائر بالانخراط في تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب في دول الساحل. ويؤكد هذا البلاغ أن هذين البلدين يسعيان معا إلى خلق الفتنة في الجزائر. يؤكد هذا الافتراء الذي تروجه الأبواق جنرالات الجزائر أنهم قد فشلوا فشلا ذريعا أمام المغرب الذي لا يؤذي أحدا، ولكنه يرفض كل الذين يسعون إلى إضعافه بهدف التوسع على حساب أراضيه. فجنرالات الجزائر يعادون المغرب الذي يدافع عن وحدته الترابية التي يرغبون في الاستيلاء على صحرائه باسم حقوق الإنسان. لكن كل ما هو مطلوب منهم هو تمكين الشعب الجزائري من استقلالهالذي سلبوه منه.

إن المغرب براء مما يفتريه عليه جنرالات الجزائر، إذ بحثت في هذا الأمر، فوجدت أن الرئيس الفرنسي « إيمانويل ماكرون » قد عقد ندوة صحفية وأعلن فيها عن تأسيس تحالف عسكري لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تعمل على زعزعة الاستقرار في دول الساحل، وأعلن ماكرون أن هذا الحلف العسكري ستشارك فيه كل من دول الساحل وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية والشمالية والشرقية والجنوبية، ثم أضاف أن الجزائر والمغرب قد التزما بالمشاركة فيه. هكذا، فالمغرب لم يروج لأية إشاعة لزرع أية فتنة في الجزائر، بل إن الرئيس الفرنسي هو من أعلن عن ذلك. ويعني هذا أن جنرالات الجزائر جبناء لا يستطيعون توجيه هذا الكلام إلى سيدتهم فرنسا، لأنهم يخافون من ردة فعلها، ولا يشرفون الرتب العسكرية التي يحملونها على أكتافهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم اتهموا كذلك بعض الجزائريين النزهاء بأنهم يتوصلون بتوجيهات من المغرب وإسرائيل لنشر الإشاعات ضد الجزائر، لكن ما لا يعيه هؤلاء الجنرالات هو أن هؤلاء المناضلين المهاجرين الذين يعارضون النظام العسكري في الجزائر قد تعرضوا للتهميش والتعنيف من قبله، فغادروا الجزائر بحثا عن حرية التعبير في البلدان الديمقراطية الغربية.

أضف إلى ذلك أن ذنبهم الوحيد هو أنهم آمنوا بالحراك الشعبي الجزائري وانخرطوا فيه بأقلامهم منذ بداياته، حيث يساندونه إعلاميا، ويعرِّفون به في الخارج، لاسيما أنهم يعرفون مؤسسة العسكر جيدا، ولهم قنوات تمدهم بأخبار من داخلها تكشف عنف الجنرالات وفسادهم وتحايلاتهم ومراوغاتهم وأكاذيبهم وافتراءاتهم، فلا يترددون في تعريتها أمام الرأي العام الجزائري والعالمي. وهم يحبون الجزائر وشعبها ويحملونهما في عيونهم وكل خلاياهم من أجل التخلص من نظام العسكر، وبناء دولة مدنية تعددية وديمقراطية.

تبعا لذلك، فإن محاولة إقحام المغرب في الدعاية ضد حكام الجزائر أمر مرفوض لأنه تأكد لكل المتتبعين والمهتمين أن المغرب ليس هو مصدر الخبر، بل الرئيس الفرنسي. لكن جنرالات الجزائر جبناء لا يستطيعون توجيه أصابع الاتهام إلى فرنسا، لأنهم يرغبون في أن تدعمهم من أجل البقاء في السلطة في الجزائر، وهو ما يعرفه الجزائريون، إذ يعتبرون الأوائل مجرد امتداد للاستعمار الفرنسي في الجزائر.

وإذا كان الجنرالات يتحدثون عن السيادة الجزائرية، فإن واقعة عودة الجنرال خالد نزار إلى الجزائر تؤكد أنهم ليسوا حريصين على السيادة الوطنية الجزائرية كما يزعمون، حيث قام الجنرال « سعيد شنقريحة » بضغط من جهات خارجية بإلغاء الأحكام الصادرة في حق الجنرال خالد، فعاد هذا الأخير إلى الجزائر على متن طائرة رئاسية خاصة، وتم استقباله رسميا، وتقديم التحية العسكرية له في المطار الذي كانت أرضيته مغطاة بزرابي حمراء… ونظرا لكون القضاء تابعا لوزارة الدفاع الوطني، فإن إغلاق ملف خالد نزار من قبل الجنرال شنقريحة وحده، دون محاكمة ولو صورية، يشكل إدانة للقضاء العسكري، ما يعد مسا خطيرا بمعنوية الجيش الجزائري، وخيانة في نظر الشعب الجزائري.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد سبق للجنرال خالد نزار أن قتل زوجته أمام أبنائه، فتم التكتم على هذا الملف، الأمر الذي يسيء كذلك بمعنوية العسكر. ونظرا لفساد الجنرالات وتعفنهم وضربهم للحريات الفردية والجماعية وللتعددية، واعتداءاتهم على الشعب الجزائري، فإنهم قد أصبحوا يشكلون أكبر خطر يتهدد الجزائر وطنا وشعبا، بل إنهم تحولوا إلى خطر على أنفسهم. لذلك ينبغي أن يوجه هؤلاء الجنرالات التهمة إلى ذواتهم..

لقد كشف بلاغ وزارة الدفاع الوطني الجزائرية أن هؤلاء الجنرالات جبناء وبلداء، حيث انكشف أمرهم، وتبين للجميع أنهم منخرطون في مساندة الإهاب ودعمه في دول الساحل، وهو ما تؤكده بعض التقارير الغربية التي تقول إن حكام إيران وتركيا والجزائر منخرطون في دعم الإرهاب بغية الهيمنة على دول الساحل، تمهيدا لتحقيق أحلامهم التي تروم التوسع على حساب دول شمال أفريقيا وغيرها من الدول الأفريقية. وتؤكد تقارير أخرى شرق أوسطية وأفريقية وغربية أن جنرالات الجزائر التابعين لروسيا يرفضون الانخراط في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، لابتزاز الدول الغربية، وخدمة المصالح الإستراتيجية لروسيا في أفريقيا، لكن كل محاولاتهم ستبوء بالفشل، إذ سيكتشف العالم أنهم يساندون الإرهاب، ما ستترتب عنه عقوبات دولية في حقهم.

وبما أني أخاف، كسائر المغاربة، على مستقبل الجزائر الشقيقة، فإنني حريص على متابعة ما يجري فيها من أحداث، حيث تابعت المظاهرات التي نظمها الجزائريون في « خراطة » و »الشاوي » و »بجاية »، احتجاجا على فساد الجنرلات واستبدادهم، حيث رفعوا شعارات تطالب برحيلهم من قبيل « دولة مدنية ماشي عسكرية » و »الجنرالات إلى المزبلة »…. كما تابعت المظاهرات التي نظمها المهاجرون الجزائريون في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وكندا، واقتنعت بأنه إذا كان الجنرالات يعتبرون أن « الحراك الشعبي » قد انتهى، فإن رهانهم هذا خاسر، إذ تؤكد مظاهرات اليوم، في الذكرى الثانية للحراك، أن الشارع الجزائري غاضب من العسكر، وأن الشعب في واد والجنرالات في واد آخر، وتفصل بينهما هوة سحيقة تدل على قطيعة نهائية بينهما رغم ممارسة الجنرالات للكذب والتضليل والإشاعات عبر الدفع بـ « عبد المجيد تبون » لتقديم مقترحات هدفها إسكات المتظاهرين التخفيض من حدة الحراك عبر شق صفوفه بإثارة نعرات عرقية بين مناضليه.

ويبدو لي من خلال ما قرأته وشاهدته وسمعته أن الشعب الجزائري يرفض النظام العسكري بكل مقترحاته، لأنه لا يثق فيه، كما صار أكبر وأذكى منهم بكثير… ونظرا لضعف المؤسسة العسكرية بسبب ما تعرفه من صراعات داخلية، فقد الجنرالات توازنهم، حيث قد ينقلبون على بعضهم البعض، كما فعل الجنرال « القايد صالح » الذي انقلب على نظام  » عبد العزيز بوتفليقة » وجنرالاته ورجاله. وتوجد اليوم مؤشرات قوية تدل على أن هذا التاريخ قد يعيد نفسه في جزائر اليوم.

ونظرا لضعف الجنرالات، فقد يبدو استعدادا لتقديم تنازلات أخرى، بما يضمن لهم الاستمرار في السلطة، لكن الشعب الجزائري مصر على القطيعة النهائية معهم، ما يعني أنه متشبث برحيلهم نهائيا. لذلك، أتمنى أن يتمكن الشعب الجزائري من بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، وأن تتمكن الجزائر من تجنب حرب أهلية، والحفاظ على كيانها، لأن ذلك من مصلحة الشعبين المغربي والجزائري. لذلك، أطالب حكام الجزائر باقتناء اللقاح المضاد لـ  » كورونا »، لأنه قد صار معلوما أنهم لقحوا أنفسهم وذويهم ضد الجائحة. وإذا ترددوا في اقتناء هذا اللقاح، فإن ذلك يعني أنهم يصرون على قتل الشعب الجزائري الذي نتمنى له الصحة والعافية… ونظرا لكون « تبون » يتباهى بأن للجزائر أحسن منظومة صحية في أفريقيا، فلماذا ذهب للعلاج في الخارج؟ ولماذا يتسول الجنرالات على أبوب « المنظمة العالمية للصحة » طلبا للدعم؟ وهل الجزائر فقيرة؟ أليست الجزائر عضوا في « منظمة الدول المصدرة للنفط والغار »؟ وهل هناك بلد مصدر للنفط يتسول اللقاح؟ وهل تبخرت عائدات النفط والغاز الجزائريين؟ ومن نهبها؟ وأين توجد الآن؟… تلك حكاية طويلة تفسر بعض عوامل انطلاق الحراك واستمراره، وهو ما لا يرغب الجنرالات في فهمه، فأحرى أن يهتدوا إلى ضرورة رحيلهم..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *