بوبكري يكتب: في استحالة تغيير التمثلات الروحية للآخرين واعتقاداتهم

محمد بوبكري

لقد شاعت في مجتمعنا المغربي خلال العقدين الأخيرين ظاهرة الجماعات الدعوية التابعة لجماعات الإسلام السياسي التكفيري المتشددة التي ترغب في تغيير الآخرين المختلفين عنها ومعها على مستوى الاعتقادات الدينية والتمثلات الروحية. وقد شاع ذلك في إطار تكفير الآخرين وادعاء هذه الجماعات أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وأن غيرها على ضلال، ما يستوجب تكفيره.

بداية، يجب الاعتراف بأنه من المستحيل تغيير الآخرين من جميع المنطلقات الروحية، بل ذلك ضرب من ضروب العبث من زاوية الإسلام، حيث يقول سبحانه في كتابه المجيد: « إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ». فهذه الآية تشير بشكل صريح إلى أن الله يهدي من يشاء، إذ لا يمكن لأي شخص أن يغير الآخر على مستوى معتقداته أو تمثلاته الروحية. وبرغبة هذه الجماعات الدعوية في فعل ذلك، فإنها تريد أن تنتصب في موقع الله في الكون.

فالله هو الهادي، ولا يمكن لأي مخلوق أن يسطو على صفاته، حيث يقول عز وجل: « إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ». كما تعود استحالة تغيير الآخرين إلى ارتباط هذه المسألة بـ »الاختلاف »، لأن عملية تغيير الآخر، على مستوى تمثلاته الروحية ومعتقداته، تشكل محاولة لتنميط كل الناس، بحيث يصبح لهم نمط تفكير واحد، ورؤية واحدة للعالم، وتمثلات روحية واحدة. وهذا يتعارض مع قوله تعالى: « ولو شاء ربك لجعلكم أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ». هكذا، فالخلق نفسه منطلقه « الاختلاف ».

وهذا الاختلاف هو من إرادة الحياة التي هي إرادة الله الذي خلق الكون. فهل تريد هذه الجماعات أن تسير ضد إرادة الله باسم تنفيذ إرادته عوضا عنه؟! إن هذ تناقض صارخ. وسيرا على ذلك، يقول سبحانه: « ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ». وما أستغرب له هو لجوء هذه الجماعات التكفيرية إلى إكراه الآخرين على اتباعهم في اعتقاداتهم وتمثلاتهم الروحية، ما يشكل تحديا سافرا لإرادة الخالق سبحانه الذي جعل الاختلاف جزءا من طبيعة خلقه.

قد يعترض بعضهم قائلين: ما محل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إن هذين المفهومين يختلفان باختلاف السياقات التاريخية والظروف والأحوال، وذلك رغم أنهما يعودان إلى نفس الأساس الروحي، حيث هناك حديث نبوي شائع يقول: « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ».

فالمطلوب من الإنسان هو تغيير المنكَر، وليس المنكِر. ويعني التغيير باللسان الدعوة إلى ما نراه صالحا وفيه خير للبشر، حيث يقول تعالى: « ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ».

هكذا، يتضح أن الله لا يأمر بإجبار الآخرين على الإيمان بما نؤمن به، حيث ركز سبحانه على الموعظة الحسنة. وتؤكد فكرة التغيير بالقلب أن تغيير الآخر على مستوى معتقداته مستحيل. وما دمنا نعيش في مجتمع واحد وفي عالم واحد، وانسجاما مع إرادة الحياة التي هي إرادة الله، يجب أن ندافع عن ضرورة الاختلاف الذي يعكس جوهر طبيعة الخلق.

ولصون العيش المشترك بين الناس، يجب البدء بتغيير النفس، حتى تتحسن الحياة، حيث يقول سبحانه:  » إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ». وهذ التغيير هو الأهم، إذ هو صعب، لأنه يتطلب إرادة وعزيمة وصبرا ومثابرة ومعاناة، واجتهادا وتحولا….

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *