بوبكري يكتب: في نصيحة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جنرالات الجزائر

محمد بوبكري

لقد تابع الإعلام الدولي افتتاح القنصلية العامة للولايات المتحدة الأمريكية في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية، وأجمع الناس كلهم على أن المغرب خرج منتصرا من صراعه الطويل مع الجزائر على الصحراء المغربية.

لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن جنرالات الجزائر لم يخرجوا خاسرين من هذا الصراع، حيث سيمكنهم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادة المغرب على صحرائه من مراجعة ذاتهم عبر إعادة النظر في تفكيرهم وعقليتهم وخططهم وممارساتهم وتغيير كل الأشياء التي جعلتهم يعيشون غرباء في محيطهم ومجتمعهم بسبب أوهامهم التوسعية الهوجاء، وما ينجم عنها من تصرفات، ما يقتضي إعادة النظر في الذات، لأن حب الذات يقتضي احترام الآخرين وحبهم، كما أن الحقد على الآخر هو حقد على الذات وتعذيب لها، حيث تحكم الذات الحاقدة على نفسها بالعذاب المستمر.

لقد كان المستر « دايفيد شنكر » مساعد كاتب الدولي في الخارجية الأمريكية المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واضحا عندما نصح الجزائريين خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الجزائرية، حيث قال لهم: لقد كان قرار اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه متميزا بالشجاعة، ويقتضي حل النزاع حول الصحراء المغربية اعتماد مقترح « الحكم الذاتي » الذي تقدم به المغرب.

وبعيدا عن مهاترات وزير خارجية جنرالات الجزائر صبري بوقادوم الذي حاول أن يروج أنه طلب من المسؤول الأمريكي التزام بلاده الحياد في نزاع المغرب العربي، فإن إقحام موضوع الصحراء في لقاء هذا اللقاء كشف الوجه الحقيقي لجنرالات الجزائر الذين ينفون كونهم طرفا في هذا النزاع، حيث ثبت لهذا المسؤول الأمريكي أن هؤلاء الجنرالات هم الذين افتعلوا هذا المشكل، وما يزالون مستمرين في ذلك باسم ما يسمونه بحقوق الإنسان التي يمعنون في هضمها في بلادهم وفي تصرفاتهم مع كل جيرانهم. هكذا تتـأكد مرة أخرى الأطماع التوسعية لهؤلاء الجنرالات في الصحراء المغربية التي يخططون للاستيلاء عليها وغزوها بعد تمكنهم من فصلها عن وطنها الأصلي، حسب ما ينوون، إذ يظنون أنها ستمكنهم من الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، كما يعتقدون أن فيها خيرات كثيرة ستلبي جشعهم للنهب، كما يفعلون مع عائدات البترول والغاز الجزائريين… فالمال هو ما يحركهم، وقد يقتلون كل المواطنين المغاربة الصحراويين إذا تحقق وهمهم الداعي إلى انفصال الصحراء عن مغربها.

ويبدو لي أن صبري بوقادوم لا يستطيع أن يعامل هذا المسؤول الأمريكي بندية، حيث يصاب سادته الحقيقيون، وهم الجنرالات، بالهلع من ردة فعل الولايات المتحدة الامريكية، وإنما روج لذلك لإلهاء الرأي العام الجزائري وتضليله وتلميع صورة حكام الجزائر… لقد كان على هؤلاء الجنرالات أن يلتقطوا النصيحة الصارمة لهذا المسؤول الأمريكي، لأنه أفصح لهم عن كونه كان سيستقل الطائرة من الجزائر إلى الدار البيضاء، وبعد ذلك سيتوجه إلى مدينة الداخلة، ما يفيد أنه كان صادقا وصارما في خطابه لحكام الجزائر، ويعني أن الإدارة الأمريكية تمنحهم فرصة ليغيروا كرهم وممارستهم، لأنهم لم يكتفوا فقط بالاعتداء على جيرانهم، بل سقطوا في التآمر على الأمن القومي للدول الغربية.

وتجدر الإشارة إلى أن المستر « دافيد شنكر » مسؤول شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كتابة الدولة الأمريكية المكلفة بالخارجية هو إنسان كفء، وليس مجرد دبلوماسي، لأنه مارس البحث العلمي في معاهد مختلفة، ما جعل الإدارة الأمريكية تستعين بكفاءته ومعارفه في المجال الذي كلفته به. إنه إنسان عقلاني، لا يستعمل المراوغة أو التحايل، متمكن من ملفاته وقادر على تدبيرها بحنكة عالية.

تعيش الجزائر اليوم أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، حيث يعتمد اقتصادها بنسبة 95 في المائة على عائدات الغاز والبترول. ونتيجة لانخفاض أسعار هاتين المادتين في السوق الدولية، فقد أصبح حكام الجزائر يعيشون شح الموارد المالية، ما جعلهم عاجزين عن تلبية الحد الأدنى من حاجيات أغلبية الشعب الجزائري، الأمر الذي ينذر بالانفجار.

ومن المؤكد أن هذا المسؤول الأمريكي يعرف جيدا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري. لهذا نصحهم، بشكل غير مباشر، بإعادة النظر في ذواتهم في اتجاه الاهتمام بمشكل مجتمعهم.

يكاد يجمع المتتبعون للشأن الجزائري أن جنرالات الجزائر مأخوذون بأوهام التوسع ونهب المال العام، ما جعلهم لا يرغبون في فهم أن « البوليساريو » مكلف ماليا وسياسيا، حيث لو أنفقوا على الشعب الجزائري ما أنفقوه على هذه العصابات، وما نهبوه باسمها، لجنبوا هذا الشعب المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تكاد تخنقه اليوم.

وإذا قاموا بتخفيض الاعتمادات المخصصة لصناعتهم « البوليساريو »، فإن هذا الأخير قد ينقلب ضدهم عبر البحث عن ممولين آخرين لهم برنامج مضاد لمخططات حكام الجزائر، لأن المرتزق يظل مرتزقا، لا مبادئ له ولا قيم له، وهذا ما سيحول هذه الصنيعة إلى جماعة إرهابية مرتزقة.

كما أن تدخلات جنرالات الجزائر في الشؤون الداخلية لجيرانهم مكلفة جدا، حيث أصبح صندوق الدولة الجزائرية على حافة الإفلاس نتيجة سوء تدبير الحكام وفسادهم. ولن ينتج عن ذلك إلا الفتن المفضية إلى عدم الاستقرار وتفتيت اللحمة الوطنية. لذلك، على هؤلاء الحكام أن يتصالحوا مع الشعب الجزائري عبر الإنصات لمطالبه وتلبيتها، وأن يتصالحوا مع جيرانهم، لأن التعاون مع المغرب وتونس وموريطانيا وليبيا لخلق تكامل بين هذه البلدان من أجل بناء المغرب الكبير المتضامن، الذي يمكن أن يتحول إلى قوة إقليمية.

أتمنى صادقا أن ينصت حكام الجزائر إلى نصيحة المستر « دايفيد شنكر »، التي إذا عملوا بها، فإنها ستجنب الجزائر الخراب، لأن خطاب هذا الرجل أمامهم بين لهم أن الأمر يتعلق بسلام في شمال أفريقيا، وفي الشرق الأوسط، ودول الساحل… وإذا لم يستوعب جنرالات الجزائر نصيحة هذا الرجل، فإن العالم سيصنفهم أنهم ضد السلام والتعاون، وحتى ضد الجزائر وذواتهم معا.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *