هاشتاغ _ أكرم الدرفوفي
يبدو أن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، قرر أن يكون ضيف الشرف في مواجهة تفشي داء الحصبة (بوحمرون) الذي بات يهدد حياة التلاميذ في المؤسسات التعليمة، حيث أنه رغم خطورة الوضع، والقلق المتزايد بين الأسر المغربية، لم يظهر الوزير أي جهد ملموس أو حتى مبادرة رمزية توحي بأنه على دراية بحجم المسؤولية. في المقابل، يبدو أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تحملت، قسرًا أو طواعية، عبء إدارة ملف يُفترض أن يكون بيد وزارة الصحة.
كيف وصلنا إلى هذا المشهد العبثي؟ بينما يهرع مسؤولو وزارة التربية الوطنية لعقد اجتماعات طارئة مع الأكاديميات الجهوية لتقييم الوضع، والتنسيق مع السلطات الصحية المحلية، يقبع وزير الصحة والحماية الاجتماعية في صمت مريب. لا بلاغات رسمية تصدر عن وزارته، ولا خطط وطنية واضحة تُعلن لتطويق انتشار المرض. فهل أصبحنا في زمن يتعين فيه على السلطة الحكومية المكلف بالتعليم أن تتعامل مع الأوبئة وتتحمل عبء صحة التلاميذ؟ أليست هذه مهمة أساسية للوزارة التي يقودها أمين التهراوي؟
التقارير الواردة من المؤسسات التعليمية تشير إلى غياب التنسيق المركزي، بل إن وزارة التربية الوطنية هي التي تعمل على “سد الفراغ”، حيث أن مديرو الأكاديميات الجهوية يجدون أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع أزمات صحية، في حين أن مسؤولي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، من الوزير إلى المديرين الجهويين، غائبون عن المشهد. وفي الوقت الذي كان يُفترض فيه أن يُعقد اجتماع طارئ يجمع جميع الأطراف المعنية، لم نسمع سوى تصريحات يتيمة من وزارة التربية الوطنية، وتجاهل تام من وزارة الصحة.
إن هذا التهاون بمثابة هديد مباشر لصحة التلاميذ ومستقبلهم، حيث إذا كان الهدف من التعليم هو ضمان جيل سليم فكريًا وجسديًا، فكيف يمكن تحقيق ذلك إذا كانت المدارس تتحول إلى بؤر محتملة للأمراض؟ كيف يمكن للأسر المغربية أن تطمئن على أبنائها إذا كان المسؤول الأول عن الصحة لا يكترث لظهور أوبئة كان يُعتقد أنها انتهت؟
أمين التهراوي الذي سَقط من الطائرة على مقر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والذي من المفترض أن يكون صوت الطمأنينة وسط هذه العاصفة، اختار الصمت المطبق. كان من واجبه أن يظهر، أن يخاطب الرأي العام، أن يعلن عن خطط واستراتيجيات واضحة للتعامل مع تفشي المرض. ولكن بدلاً من ذلك، أدار ظهره للوضع، تاركًا وزارة التربية الوطنية وأولياء الأمور يتخبطون في حالة من الذعر.
ولأن الفشل لا يقف عند حدود غياب التحرك، فإن منشورات الوزارة المتفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي حول أهمية التطعيم تُبرز التناقض الصارخ في أدائها. إذا كانت الوزارة تعلم أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تراجع معدلات التطعيم، فلماذا لم تطلق حملات توعوية واستدراكية منذ ذلك الحين؟ لماذا ننتظر حتى تصبح المؤسسات التعليمة بؤرًا للأمراض لنبدأ في التحرك؟ ولماذا يُلقى العبء على وزارة التربية الوطنية بينما وزارة الصحة غارقة في السبات؟
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل يعكس هذا الصمت المطبق للوزير أمين التهراوي عدم كفاءة، أم هو تعبير عن لامبالاة عميقة؟ في الحالتين، النتيجة واحدة، ثقة مهزوزة في منظومة الصحة، وتخوف شعبي متزايد من انهيار أعمق في القطاعات الحيوية. نحن لا نواجه فقط أزمة داء بوحمرون، بل أزمة تسيير قطاع اجتماعي حيوي تُظهر بجلاء كيف يمكن للتقصير أن يتحول إلى كارثة وطنية.
إن المغاربة اليوم يضعون أيديهم على قلوبهم، ليس فقط خوفًا من المرض، بل من تداعيات غياب الرؤية والقيادة. وزير الصحة والحماية الاجتماعية، وهو المسؤول المباشر عن صحة المواطنين، يبدو وكأنه تنازل طواعية عن صلاحياته لصالح وزارة أخرى أو جهة أخرى رُبما، ولكن إذا استمرت هذه الأزمة بلا حلول جذرية، فإن المسؤولية السياسية والأخلاقية ستظل ملقاة على عاتقه.