بوعيدة يكتب: هكذا أشهروا السكين في وجه المواطن الضحية

حين تجرّب كل شيء، فاعلم أنك في حضرة حكومة تُتقن التجريب وتُسيء الفهم..

ما الذي تبقّى؟ أكاد أجزم: لا شيء!!

جربنا الغلاء حتى صار جزءاً من الطقس الوطني، كأنه الآذان في نشرة الأحوال الجوية..

جربنا أسعاراً ثابتة للمحروقات في عالم يشتعل ويتقلّب..
جربنا الغلاء في السردين، واللحم، والدجاج.. وتاه سؤال الأمن الغذائي بين الأمعاء واللا جدوى..

استوردنا كل شيء — حتى النعاس في عيون الوزراء — لأجل عيون تلمع في البرلمان، لا ترى فينا سوى أصوات عند الحاجة.

صعد الفقر كأنه نَفَسُ هذه المرحلة، وسقطت الطبقة المتوسطة كسقف بيت في زلزال بلا بوقٍ ولا إنذار..

سقط التعليم في بئر العتمة، وسقطت الجامعة كما تسقط الكتب من رفوف الذاكرة..

تحولت المستشفيات إلى محطات انتظار لا تمرّ بها أي قطارات..

أما الصحة، فصارت حُلمًا يُكتب على اللافتات: “هنا يُعالج الصبر بالصمت”.

2025 جربنا عيداً بلا روح، بلا فرح، بلا خروف..

اللحم والدوارة صارا منشورات سريّة تُباع على الهامش..

في لحظة تفكر، تذكّرت مؤشرات السعادة، فنلندا، الدنمارك..

ونسيتُ أين تُصنّف بلادي مع هذه الحكومة، ربما لأننا لم ندخل المؤشر أصلًا..

ربما لأن السعادة لدينا اسم زنقة أو مدرسة أو برنامج انتخابي..

ومَن كثُر حديثه عن النجاح، صدّق الكذبة وتوّج نفسه بإنجاز وهمي باسم “الريادة المغربية”.

هذا العيد، على قسوته، كان صادقًا، كشف كل ما لا نُريد رؤيته..

أكتب الليلة، لا كسياسيّ يبحث عن موطئ قدم في حفلة الكذب، بل كأكاديمي يرى الوطن كمنزل هشّ، يُعاد ترميمه بالأسئلة لا بالشعارات.

من يحوّل المواطن إلى بطنٍ يمشي، يقتل العقل، ومن يلوم الشعب لأنه يحب “الدوارة”، لا يفهم التاريخ ولا الجغرافيا،
ولا يعلم أن الفقر ليس هواية، بل نتيجة سياسة تُمارَس كل يوم بأدوات الدولة..

جلالة الملك رفع الحرج عن الناس، شعر بثقل لا يُحمل، ونحن من نُفترض أن نحس أيضًا..

لكن بين مَن يملك الحسّ ومَن لا يملك غير التبرير، تنقرض العدالة الاجتماعية.

لن أشارك في مسرحية جلد المواطن، تلك اللعبة التي تُزيّن إخفاق الحكومة وتُشهر سكينها في وجه الضحية..

السؤال ليس لماذا لا نذبح الخروف؟

بل لماذا نُذبح نحن كل يوم باسم الإصلاح؟

هل المواطن من صاغ المخططات الخضراء؟

هل هو من تبخرت على يديه 1300 مليار درهم؟

ما يؤسفني أكثر أن النقاش، بدل أن يُواجه الأعطاب، يُحوّل وجهته للمواطن، كأننا صانعو مواطن مشغول ببطنه، لأننا فشلنا في تربية عقلٍ مشغول بالأسئلة.

أفكر أحيانًا في تأسيس حزب مرجعيته “البطن”..

لا أقولها تهكّمًا فقط، بل لأنني رأيت قاعات مليئة بمناضلين مأجورين لعقود محددة، يتحدث فيها الزعيم كما يتحدث لاعب كرة في مؤتمر صحفي بعد هزيمة..

رحم الله النضال!!

رحم الله الزمن الذي كانت فيه الكلمة تُجمع الناس، لا الأكل ولا الموسيقى ولا الطبول..

هذا زمن المسخ!

لا برلمان يحاسب،

ولا أحزاب تؤطر،

ولا مثقف يواجه،

ولا جامعة تسائل،

ولا نقابة تصرخ..

وسائل التواصل تُعلِّمنا كيف نصبح مؤثرين، لا مفكرين..
الإشاعة تغلب البيان، والتافه يُحدِث ضجيجًا،
والمثقف يختنق في صمت مكتبة..

أسأل، في وجع: من حاضر معنا اليوم؟
من تبقّى ليستمع، لا ليُصفّق؟

هذا العيد عرّى الكثير..

عرّى السياسة، والمجتمع، ومنطق الأشياء..

نحتاج وقفة، لا مع الحكومة، بل مع الذات..

نحتاج أن نُعيد الأمل إلى السياسة، أن نعيد الوطن إلى مَن يحبونه بلا مقابل.

حكومتنا تعيش حلمًا ورديًا في مونديال الأحلام، أما نحن، فنعيش كوابيس الوطن المهجور..

شتّان بين مَن يرى الإنجاز على شاشة تلفزة،
ومَن يرى الخيبة على وجه طفلٍ لم يذبح خروفًا..

أعرف أن للنقد ثمنًا، لكنني أؤمن، بعد الله، بالوطن، وبالملك، وهذا كافٍ لأقول الحقيقة دون تزيين..

وكل عيد و”دوارة” وأنتم بخير…

د.عبد الرحيم بوعيدة