بويكري يكتب.. دور فرنسا في عودة الجنرال خالد نزار إلى الجزائر

محمد بوبكري

لقد سبق أن صدر حكم بالسجن لمدة عشرين سنة في حق الجنرال خالد نزار إثر متابعته على خلفية جرائم عديدة، لكنه تمكن من الهروب إلى الخارج فانتهى به المطاف في إسبانيا، حيث يملك عقارات ومؤسسات ومنشآت كثيرة… وتؤكد مصادر جزائرية موثوقة أنه تمكن من الهروب إلى الخارج بمساعدة جهات خارجية تربطه بها علاقة متينة. ومؤخرا عاد هذا الجنرال إلى الجزائر على متن طائرة رئاسية خاصة، حاملا جواز سفر دبلوماسي جزائري. وقد تم استقباله في المطار استقبالا رسميا، حيث قدمت له التحية العسكرية، وكانت أرضية المطار مغطاة بزرابي حمراء. وهذا يعني أن الحكم الصادر في حقه قد تم إلغاؤه من قبل الجنرال “سعيد شنقريحة” وحده، ما جعل الرأي العام يطرح عدة أسئلة حول الأسباب التي سهلت عودة الجنرال خالد نزار.
لقد عاد خالد نزار بقرار من الجنرال “سعيد شنقريحة”، وهو قرار يكشف عن استبداد وجهل هذا الجنرال، لأنه لم يحترم مؤسسة القضاء وتصرف بأسلوب ديكتاتوري، حيث كان عليه أن يحترم، ولو شكليا، المساطر والإجراءات المعمول بها قبل السماح له بالعودة إلى الجزائر، الأمر الذي اعتبره بعض الجزائريين تشريفا للجريمة من قبل جنرالات الجزائر. فلماذا عاد نزار إلى الجزائر مدللا، بدون قيد ولا شرط؟
تؤكد مصادر جزائرية موثوقة أن خالد نزار عاد إلى الجزائر بقوة بفضل تدخل “إيف بوني Yieves Bonnet” المدير السابق للاستخبارات الداخلية الفرنسية، الذي هو صديق حميم له. فكلما كان ” إيف بوني” يزور الجزائر كان يقيم هو وزوجته في إقامة الجنرال نزار مع أسرته، كما أن نزار كان يأخذه معه إلى بسكرة ليقضوا جميعا وقتا ممتعا في ضيعته الكولونيالية المجهزة هناك بالعجب العجاب، حيث تتوفر فيها كل شروط الراحة، وما تشتهيه الأنفس ويروق للأعين. وللتدليل على عمق العلاقة المتينة التي تجمع بين “إيف بوني” وخالد نزار، فقد رسمت زوجة “إيف” لوحة زيتية وأهدتها إلى أسرة صديقهم الحميم خالد نزار.

وتجدر الإشارة إلى أن علاقة “إيف بوني” بجنرالات الجزائر قد بدأت مع إسماعيل العماري، حيث كانا ينسقان أمنيا، لكن هذه العلاقة سرعان ما امتدت إلى العديد من الجنرالات الجزائريين الذين حرص “إيف بوني” على أن يربط علاقة متينة بهم وبأسرهم، وذلك لتتمكن فرنسا من مراقبة ما يجري في الجزائر… وهذا ما يبين كيفية تمكن فرنسا من السيطرة على الجزائر.

ويؤكد بعض المهتمين الجزائريين أن خالد نزار هو ابن فرنسا، حيث كان أبوه جنديا في صفوف جيش الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي حارب حركة التحرير الجزائرية. ومقابل ذلك، فقد كان يتلقى راتبا يعيل به أسرته، حيث كان يشتري الحليب لخالد نزار الصغير، ما يعني أن نزار قد رضع الحليب من ثدي أمه فرنسا. كما تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية المخصصة لأبناء الجنود، فتمت تنشئته على محبة فرنسا.
ولما صار شابا، دخل إلى مدرسة عسكرية لتكوين ضباط الصف. وبعد تخرجه منها، انخرط مع مجموعة من الشباب الجزائري الذين تخرجوا معه في صفوف الجيش الفرنسي لمحاربة حركة التحرير التي كانت تحارب الاستعمار الفرنسي. ولما أشرفت الجزائر على الاستقلال، قررت أن تترك وراءها رجالها في صفوف الجيش الجزائري. وبإيعاز من الإدارة الفرنسية، غادر خالد نزار وبعض أفراد جيله صفوف الجيش الاستعماري بالجزائر والتحقوا بحركة التحرير الجزائرية ليكونوا عين فرنسا التي تراقب هذه الحركة. وقبل استقلال الجزائر، استقطبهم هواري بومدين وضمهم إلى جيش الحدود، الذي استطاع بواسطته هو وأحمد بن بلة الاستيلاء على السلطة في الجزائر ضدا على آباء الحركة الوطنية الذين كانوا يعارضون طموحات بومدين وابن بلة المضادة لروح الثورة الجزائرية الأصيلة، حيث شكلت ثورة مضادة لها. ومنذ ذلك الحين ونزار مخلص لأمه فرنسا التي حرصت دوما على حمايته، لتتمكن من تدبير شؤون الجزائر. ولما توفي الجنرال “القايد صالح” الذي تؤكد خطاباته أنه كان غبيا لا يمتلك أي أفق فكري، أصبحت الجزائر صدفة في يد الجنرال ” سعيد شنقريحة”، الذي هو أغبى منه، حيث انكشف عجزه عن تدبير شؤون الجزائر.

وما دامت السفارة الفرنسية تراقب بدقة مجريات الأمور في الجزائر، فقد كانت تكتب تقارير دقيقة حول الخطر الذي يتهدد المصالح الفرنسية في الجزائر نتيجة سوء تدبير الجنرال “سعيد شنقريحة”، فاضطرت السلطة الفرنسية للتحرك، ولجأت إلى المدير السابق للاستخبارات الداخلية الفرنسية ” إيف بوني”، وكلفته بمساعدتها على توفير شروط لاستقرار الجزار… فبدأ هذا الأخير اتصالاته مع أصدقائه القدامى، وفكر ودبر، واتصل بـ “سعيد شنقريحة”، وأقنعه بصعوبة تدبير الجزائر في هذه الظروف ومخاطرها، كما جعله يعي أن محيطه خال من الكفاءات القادرة على التفكير والتتبع والتدبير وتطوير الحلول. لذلك، ولتجاوز عجزه عن التدبير، اقترح عليه “إيف بوني” أنه ينبغي أن يعقد صلحا مع الجنرالين نزار وتوفيق. ورغم أن ” إيف بوني” يعي أن خالد نزار غبي، فإنه اقترحه على “سعيد شنقريحة” لأن هاجسه كان هو المصلحة الإستراتيجية الفرنسية في الجزائر. وبما أن “سعيد شنقريحة” غبي وجبان، فما كان عليه إلا أن ينفذ اقتراح سيده “إيف بوني”، لأنه يشعر بأنه في حاجة إلى حماية فرنسية. هكذا، عاد نزار بفضل تدخل سيده ” إيف بوني”. لذلك، فقد أصبح خالد نزار عين فرنسا وأذنها على الجزائر، وصار يتكلم باسمها هناك. لقد اختارته فرنسا لأنها تثق فيه، ولا يمكنها أن تثق في أي جزائري غيره، لأنها خبرته عبر ماض طويل، مكنها من تجريبه، ما جعله ينال ثقتها.

وعندما قال الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إنه مستعد لمساندة “عبد المجيد تبون”، فإنه كان يعي أن هذا الرجل لا سلطة له، لكن ماكرون كان يقصد في عمقه أنه سيساند الرجل الذي هو خلف “تبون”، ولم يكن في إمكانه النطق باسم “شنقريحة”، لأنه كان سيبدو مساندا للعسكر وجرائمهم.

وبما أن فرنسا تراهن على خادمها خالد نزار، فيبدو لبعض المراقبين أنها تراهن على حصان خاسر، لأن هذا الرجل مرفوض من قبل الشعب الجزائري. ويعود ذلك إلى أن الجزائريين يعون أنه كان هو المهندس الأساسي لما يسمى بـ “العشرية السوداء” التي أزهقت فيها مئات آلاف الأرواح الجزائرية… لذلك لا يمكن المراهنة على سفاح لم تجف يده بعد من دماء الجزائريين الأبرياء. أضف إلى ذلك أن نزار يناهض الدستور الديمقراطي، والشرعية السياسية، والتعددية، والتناوب… كما أنه يرفض الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ومقتضياتها. لذلك، فإن مساندة نزار تعني إبقاء الأوضاع في الجزائر على حالها. هكذا، حولت فرنسا خالد نزار إلى قوة، ما يعني أنه أصبح هو عقل العصابة المتحكمة في الجزائر. لقد بوأوه هذه المكانة وهم يعرفون أنه خاوي الوفاض، لأنه سيقوم بالتنفيذ الحرفي لأوامرهم، ما يفيد أنه سيمكنهم من الحفاظ على مستعمرة فرنسية قديمة. لذا، فإن نزار كاذب عندما يدعي الوطنية. وما يقوم به اليوم هو استمرار لاغتيال المرحوم محمد بوضياف الذي كان أب الحركة الوطنية الجزائرية. لقد قتل نزار زوجته، وأغلقوا ملفه، كما اغتال بوضياف وأغلقوا ملفه. أضف إلى ذلك أنه مسؤول عن “العشرية السوداء، وتم إقبار ملفله. فوق ذلك، فقد قام بنهب أموال الشعب الجزائري وتهريبها إلى الخارج، وصدرت تبرئته. تبعا لذلك، لا يمكن لرجل حفلت حياته بارتكاب الخيانات والاغتيالات والفساد والنهب والتهريب أن تتم تبرئته والمراهنة عليه لاستتباب الاستقرار في الجزائر. ويبدو أنه كان على فرنسا أن تستثمر في كل ما يخدم البناء الديمقراطي الحداثي للدولة والمجتمع الجزائريين، لأن ذلك هو سبيل الاستقرار والازدهار… ومادامت فرنسا تراهن على نزار وعصابته، فإنها تسير ضد عصر الأنوار، أي ضد روسو ومونتسكيو وفولتير… وهذا ما يجعلها في تناقض صارخ مع فكرها وتاريخها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *