بين التصعيد والحوار.. هل يفلح الوزير التهراوي في نزع فتيل أزمة الصحة؟

بمجرد إعلان التنسيق النقابي في قطاع الصحة، المكوّن من النقابات الأكثر تمثيلية، عن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة لطيّ صفحة الاحتجاجات التي أطلقها بهدف إلغاء بعض التدابير المدرجة ضمن مشروع قانون المالية، بادرت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام إلى تصعيد الموقف بإعلان سلسلة طويلة من الإضرابات. هذا التصعيد يأتي احتجاجًا على نفس القضايا التي أكد التنسيق النقابي أنه نجح في التوصل إلى تفاهم بشأنها مع الحكومة.

ورغم أن القضايا المعلنة تتعلق بجوانب جزئية، مثل مركزية الأجور، إلا أن الخلاف الحقيقي يبدو أعمق بكثير. فالنقاش يدور حول الإصلاح الهيكلي الشامل للمنظومة الصحية، والذي يرتكز على الانتقال من المركزية المطلقة إلى نموذج الجهوية المتقدمة. يتضمن هذا التوجه إنشاء مجموعات صحية كهيئات عمومية تتولى إدارة قطاع الصحة بشكل كامل على مستوى الجهات، مع تحويل كافة الصلاحيات المركزية التي كانت من اختصاص وزارة الصحة إلى هذه المجموعات. ومن جهة أخرى، ستقتصر مهام الوزارة على صياغة السياسة الصحية العمومية دون التدخل في التسيير اليومي للقطاع.

الإشكالية الكبرى التي أثارت مخاوف العاملين في القطاع تتعلق بوضعهم القانوني؛ إذ يُخشى أن يتحولوا من موظفين عموميين إلى مجرد مستخدمين في المؤسسات العمومية، ما أثار احتجاجات واسعة دفعت النقابات إلى وضع برامج نضالية للتعبير عن رفضها لهذا التوجه. ورغم الاجتماعات المكثفة التي عقدت بين الحكومة وممثلي النقابات، والتي أسفرت عن تقديم ضمانات تتعلق بالحفاظ على الحقوق المكتسبة للعاملين، إلا أن النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام اعتبرت هذه الضمانات غير كافية وواصلت تصعيدها.

في بيان وصفته بالعاجل، عبرت النقابة عن مخاوفها من “بنود ملغومة” في النظام الأساسي النموذجي، ترى أنها تهدد المكتسبات التاريخية للعاملين، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على صفة موظف عمومي، مركزية الأجور، والمناصب المالية. وأكدت أن التعديلات المقترحة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025 لم تعالج جوهر الإشكاليات، بل أجلت البت فيها إلى حين صدور النصوص التنظيمية، مما يعمق حالة الغموض.

وفي هذا السياق، أكد منتظر العلوي، الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، أن النقابة قررت خوض سلسلة من الإضرابات خلال الأسابيع المقبلة، بدءًا من الإضراب الذي استمر لثلاثة أيام منتصف نوفمبر، متبوعًا بأسبوع غضب من 25 إلى 29 من نفس الشهر، وإضراب آخر لمدة يومين مطلع ديسمبر. وأوضح أن النقابة سبق أن انخرطت في مفاوضات طويلة الأمد مع الحكومة، وجرى التوصل إلى محاضر اتفاق أواخر السنة الماضية، تضمن الحفاظ على مكتسبات الوظيفة العمومية، لكن هذه الاتفاقات شهدت تراجعًا لاحقًا.

ودعا العلوي إلى اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية لمناقشة كل تفاصيل الإصلاح، بما يشمل توقيت العمل، التعويضات، التكوين المستمر، إمكانية العمل بالقطاع الخاص، وتنقل العاملين داخل المجموعات الصحية. وأشار إلى أن النظام الأساسي النموذجي، في صيغته الحالية، يحمل تهديدات جدية لهذه المكتسبات.

وفي خضم هذا التصعيد، تتزايد المخاوف من حدوث شلل جديد في قطاع الصحة، في ظل غياب تواصل فعال من طرف الحكومة لشرح أبعاد هذا الإصلاح للرأي العام، وضعف إشراك المهنيين في بلورة التصور النهائي لهذه التغييرات الهيكلية.