تزكيات 2026.. بين إعادة إنتاج الريع السياسي وتجديد النخب الوطنية

مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، تبرز من جديد إشكالية التزكيات الحزبية كأحد أعقد مداخل أزمة السياسة في المغرب، ليس فقط باعتبارها إجراءً تنظيمياً داخلياً للأحزاب، بل بوصفها آلية حاسمة في صياغة بنية المؤسسة التشريعية، ومن ثمة في تحديد طبيعة العملية الديمقراطية برمتها. فالتزكية، في جوهرها، ليست مجرد وثيقة إدارية تمنح للمرشح، بل هي فعل سياسي مؤسِّس، يرسم الحدود الفاصلة بين منطق الاستحقاق والجدارة وبين منطق الزبونية والريع الانتخابي.

التجربة المغربية أظهرت بوضوح أن غياب معايير موضوعية في اختيار المرشحين أدى إلى تكريس صورة سلبية عن العمل الحزبي، إذ تحولت التزكيات في كثير من الحالات إلى مجال للتفاوض على النفوذ المحلي أو لتوزيع الامتيازات داخل الدوائر المغلقة للأجهزة الحزبية. هذه الممارسة، التي تفتقر إلى الشفافية، أنتجت مؤسسات ضعيفة التمثيلية ومحدودة القدرة على التأثير في صناعة القرار العمومي، وهو ما يفسر جزءاً من أزمة الثقة العميقة بين المواطن والفاعلين السياسيين.

من منظور أكاديمي مقارن، يلاحظ أن بلداناً عديدة نجحت في رفع منسوب الثقة السياسية بفضل اعتماد آليات دقيقة لاختيار المرشحين، تقوم على الكفاءة والخبرة والنزاهة، وتدمج تقييم الأداء الحزبي في المجتمع المحلي ضمن معايير التزكية. أما في الحالة المغربية، فإن استمرار منطق الولاءات المالية أو الزبونية لا يهدد فقط صورة الأحزاب، بل يضعف كذلك وظيفة البرلمان كمؤسسة تمثيلية ورقابية وتشريعية، ويجعل منه رهينة أعطاب بنيوية تتكرر في كل دورة انتخابية.

إن اللحظة الانتخابية المقبلة تفرض إعادة تعريف التزكية باعتبارها مسؤولية سياسية وطنية، لا مجرد تدبير حزبي داخلي. فإما أن تكون التزكية آلية لتجديد النخب وضمان وصول كفاءات حقيقية قادرة على المساهمة في تعزيز دولة الحق والقانون، وإما أن تستمر كأداة لإعادة إنتاج الأزمة السياسية ذاتها. في كلتا الحالتين، فإن مخرجات انتخابات 2026 ستشكل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الأحزاب المغربية على الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية، وإدراك أن مستقبل الديمقراطية الوطنية رهين بمدى جديتها في القطع مع الريع السياسي والانتخابي.