يبدو ان وزارة الداخلية ،لم تعد مهتمة بالانتخابات المقبلة ، او لنقل غير متحمسة لهذه الاستحقاقات ، و ربما ما يعيشه المغرب من ظروف صحية معقدة ، ناتجة عن التزايد المهول لعدد الاصابات بفيروس كورونا وما يطرحه من تحديات مجتمعية و اقتصادية و سياسية ، جعلها تنشغل عن التحضير لهذه الانتخابات .
فالبرغم من ان الوزارة عقدت عدد من الاجتماعات مع زعماء الاحزاب السياسية ، لاستقراء و استطلاع ارائهم بخصوصها ، وتوصلها بمذكرات تفصيلية من جل الاحزاب ، تبسط فيها هذه الاخيرة نظرتها و مواقفها بشان العملية الانتخابية الا انها ، لم تعطي الى حدود الساعة اي اشارة جدية حول هذه العملية ، و حول الاصلاحات التي ستطالها .
هذا التكتم الغريب ، من طرف وزارة الداخلية ، حول الانتخابات ، يطرح عدد من الاسئلة ، حول جدية الوزارة في التعاطي مع هذا الملف ، و حول الرغبة في اصلاح المنظومة الانتخابية ،و التفاعل مع مقترحات الاحزاب السياسية في هذا الشان ، التي ذهبت جلها الى ضرورة القيام باصلاحات جوهرية ، تعيد للعملية الانتخابية مصداقيتها ، و تؤسس لمنطق التنافس الديمقراطي الشفاف و العادل بين جيمع الفرقاء .
وزارة الداخلية ، تعي جيدا ان الوقت لم يعد يكفي للتحضير الجيد لهذه الانتخابات ، وفق المفارقة المعتمدة من طرفها ، خاصة امام جملة الاصلاحات التي تطالب الاحزاب بادخلها على العملية برمتها ، و ما تتطلبه من مشاورات و توافقات ، و اجراءات قانونية و تنظيمية متداخلة و متشعبة .
الانتخابات المقبلة ، هي انتخابات حاسمة و مصيرية بالنسبة للمغرب ، امام جملة التحديات و الاكراهات و الرهانات ، التي يتنتظرها ، و التي من المفروض ان يترتب عنها افراز خريطة سياسية واضحة ،و منسجمة مع الاختيارات الحقيقية للشعب المغربي .
و تحقيق هذا الامر لن يتأتى الا عبر التحضير الجيد و الديمقراطي للاستحقاقات الانتخابية ، من خلال اقراؤ اصلاح جدي لمنظومتها ، يعكس الرغبة الجماعية ، في القطع مع الممارسات السلبية التي ابانت عنها المنظومة الحالية ،و في ارساء شروط المنافسة السياسية النزيهة بين مختلف الاحزاب السياسية ،في ضل الاختيارات الديمقراطية الحاسمة التي تبناها المغرب .
هذا السكوت او التجاهل غير المبرر لوزارة الداخلية بشان الانتخابات ، لم يعد من المقبول التغاضي عنه او القبول به، فوزير الداخلية ، الذي تعهد امام زعماء الاحزاب السياسية بتبني مقاربة تشاركية للتحضير للانتخابات ،يمتنع اليوم عن تقديم اي اجابات او اي ردود على مذكرات الاحزاب السياسية المقدمة له بهذا الخصوص، و هو ما يدفع الى طرح سؤال ، هل لم تعد الانتخابات ضمن الاجندة السياسية للبلاد ؟
فمن المفروض ،ان تجيب وزارة الداخلية على مقترحات الاحزاب السياسية ، و ان تباشر عملية الاصلاح، قبل الدورة التشريعية لاكتوبر ، كما طالبت بذلك بعض الاحزاب و في مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، و ان تبدأ في مشاوراتها بهذا الخصوص ، فلا يمكن اليوم الاستمرار في نفس النهج ، القائم على مباشرة الاصلاح او التعديل في اخر لحظة ، و خلق ضغط زمني ، يفرغ هذا الاصلاح من معناه .
ان مطالب الاحزاب السياسية اليوم بضرورة اصلاح المنظومة الانتخابية ، هي مطالب مشروعة و واقعية ، نابعة من حالة الافلاس التي وصلت المنظومة الحالية ،و التي لم تستطع تكريس و حماية النهج الديمقراطي بالبلاد ، و الرفع من نسقه و وثيرته ، في ظل تغول ثنائية المال و الدين التي شكلت المنظومة الانتخابية الحالية الارضية الصلبة التي تقوم عليها .
و اصلاح المنظومة الانتخابية الحالية ، هو امر حتمي ، يتوجب على الحكومة و على راسها وزارة الداخلية المضي قدما في مسلسل اقراره ، و عدم تجاهله ، و الاستفراد به ، و تهميش الاحزاب السياسية ، و التغاضي عن مقترحاتها و مطالبها ، فالمغرب اليوم محتاج الى استعادة الثقة في العمل السياسي و الرفع من مشاركة المواطنين في العملية السياسية ، و افراز تمثيلية. سياسية حقيقية تجسد بحق الاختيارات الحرة للشعب المغربي .