تفاصيل ومعطيات خطيرة: لشكر يمدد لنفسه وللمكتب السياسي ولجميع أجهزة الحزب مدى الحياة في أكبر عملية تحايل سياسي بالمغرب

هاشتاغ _ الرباط

ما جرى في بوزنيقة ليس مؤتمراً حزبياً، بل مسرحية سياسية مكشوفة أعادت كتابة قواعد اللعبة من الصفر، فقط لتمكين إدريس لشكر من التمديد لنفسه ولحزبه مدى الحياة.

فبعد ثلاث ولايات متتالية، تمكن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي من تمرير تعديل على المقاس، جعل من “التمديد” قاعدة عامة تطال كل أجهزة الحزب — من المكتب السياسي إلى المجلس الوطني فالكتابات الجهوية والإقليمية والمحلية — دون تجديد أو انتخاب أو محاسبة.

إنه ببساطة تجميد للديمقراطية الداخلية وتحويل حزب الوردة إلى ضيعة سياسية خاصة يُمنع فيها التداول، وتُمنح فيها المناصب للأوفياء لا للكفاءات.

لقد صادق المؤتمر الوطني الثاني عشر، المنعقد ببوزنيقة، على ما سماه “الملتمس المرفوع من المجلس الوطني”، القاضي بتمديد مهمة لشكر، بعد “توصية” تهم تعديل المادة 217 من القانون الأساسي والمادة 212 من القانون الداخلي، لتصبح قاعدة التمديد “عامة وشاملة”، أي أن الحزب بأكمله سيظل محكوماً بنفس الوجوه والمناصب إلى أجل غير مسمّى.

بمعنى أدق: لا تغيير في المكتب السياسي، ولا في المجلس الوطني، ولا حتى في الفروع المحلية، وهي سابقة لم تعرفها أي تجربة حزبية مغربية منذ دستور 2011.

فبينما نصّ المشرّع بوضوح على ضرورة التداول، اختار لشكر أن يكتب دستوراً جديداً لحزبه، بأثر رجعي وباسم “الاستثناء الحزبي”!

إن هذا التعديل لا يعدو أن يكون تحايلاً ممنهجاً على القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي ينص على أن الأجهزة القيادية تُنتخب لمدة محددة، ولا يجوز تمديدها إلا في حالات مؤقتة واستثنائية، وليس كقاعدة دائمة.

فما قام به ادريس لشكر هو انقلاب ناعم على الدستور الداخلي للحزب وعلى القانون الوطني، مغلف بخطاب “الشرعية التنظيمية” و”الاستجابة لمطلب القواعد”، بينما الحقيقة أن تلك القواعد لم تُستشر، بل تمت تعبئتها في مقطع حزبي يليق بالأنظمة الشمولية لا بالأحزاب الديمقراطية.

لكن الفضيحة لم تتوقف عند حدود القاعة المغلقة في بوزنيقة.
فوكالة المغرب العربي للأنباء، التي يفترض أن تلتزم الحياد، نشرت قصاصة بعنوان: “إعادة انتخاب إدريس لشكر كاتبا أول لولاية رابعة”، في توصيف تضليلي خطير، يوحي بأن عملية انتخاب ديمقراطية قد جرت، بينما الواقع أن القانون تم تعديله أولاً لتمكينه من البقاء، ثم فُتحت الصناديق بعد أن حُسمت النتيجة مسبقاً!

بهذا المعنى، لم تنتخب القواعد لشكر… بل انتخب لشكر نفسه بنفسه.

إن أخطر ما في هذه الواقعة هو أنها تضرب جوهر الحياة الحزبية في المغرب. فإذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي نشأ من رحم النضال الديمقراطي في السبعينات، يُحوِّل الديمقراطية الداخلية إلى مزحة حزبية، فما الذي يُنتظر من باقي التنظيمات السياسية التي لم تولد أصلاً من رحم المعارضة أو من مدرسة النضال؟

لقد تحوّل حزب الوردة إلى حزب بلا تداول، بلا نقد، بلا تجديد، حيث تُصنع القرارات في منزل الكاتب الأول، وتُزكى جماعياً باسم “الانضباط”، وتمر عبر مؤتمر أقرب إلى مجلس مبايعة منه إلى مؤتمر انتخابي.

إن ما وقع في بوزنيقة لا يمكن تبريره بأي منطق سياسي أو تنظيمي، بل يُشكل سابقة خطيرة تضرب مبدأ التداول الديمقراطي في الصميم.

وإذا كان ادريس لشكر قد وجد طريقاً لتبرير بقائه باسم “الاستمرارية”، فإن هذه “الاستمرارية” في الحقيقة ليست سوى استدامة للركود، وشرعنة للتحكم، ودفن للحياة الحزبية تحت ركام الشعارات.

لقد حول إدريس لشكر حزب الاتحاد الاشتراكي من مدرسة سياسية إلى ضيعة خاصة، ومن تجربة نضالية إلى تنظيم مغلق على ذاته، ومن حزب كان يناهض الزعامات الأبدية إلى حزب يقننها بنص رسمي.

إن التاريخ سيسجل أن إدريس لشكر مدد لحزبه حتى الاختناق، ومدد لنفسه حتى العزلة، وأن مؤتمر بوزنيقة لم يكن مؤتمراً للاتحاد الاشتراكي، بل جلسة مبايعة علنية لرجل لم يعد يفرق بين القيادة والملكية الحزبية.