Hashtag
في وقت يفترض أن تكون فيه حماية الثروة الحيوانية أولوية وطنية بالنظر إلى تداعيات الجفاف والضغوط الاقتصادية، كشفت الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز (ANOC) عن تفشي مقلق لظاهرة الذبح السري لإناث الأغنام والماعز، في خرق سافر للقرار الحكومي القاضي بمنع هذه الممارسة، وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول غياب الرقابة وتراخي السلطات العمومية في حماية القطيع الوطني.
ورغم التحذيرات المتكررة من مهنيي القطاع بشأن المخاطر المستقبلية لاستنزاف إناث المواشي، تواصلت عمليات النحر العشوائي في عدد من المناطق، دون أن تُقابل بأي إجراءات زجرية فعالة. بل الأخطر من ذلك، أن هذا التهاون الإداري بات يُفسّر على أنه ضوء أخضر غير معلن لاستمرار الفوضى، مما يُهدد بتقويض جهود الدولة في إعادة تأهيل قطاع تربية المواشي.
وفي تصريحات إعلامية، أعرب عبد الرحمن المجدوبي، رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز، عن قلقه من استمرار الظاهرة رغم المنع الرسمي، مرجعًا الأمر إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه “الكسابة”، في ظل تأخر صرف الدعم الحكومي، وارتفاع أسعار الأعلاف، وتزايد كلفة توفير الماء للقطيع، خاصة مع اشتداد الجفاف في بدايات الصيف. واعتبر أن تأخر تدخل الجهات المعنية عمّق من إحساس الفلاحين بالتخلي والإهمال، ما دفع البعض إلى التخلص من إناث الماشية بطرق غير قانونية، لتغطية تكاليف العيش أو تأمين علف للمتبقي من القطيع.
ورغم هذه المعطيات الميدانية الصادمة، لم يصدر عن السلطات العمومية أي تحرك ملموس يُوازي حجم المخاطر، بل إن المراقبة على المجازر والأسواق ما تزال شكلية، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الذبح العشوائي وبيع لحوم إناث المواشي دون حسيب أو رقيب.
في المقابل، حاول بعض ممثلي المهنيين في قطاع اللحوم، وعلى رأسهم هشام الجوابري، الكاتب الجهوي لتجار اللحوم الحمراء بالجملة بجهة الدار البيضاء-سطات، نفي وجود ذبح سري لإناث الأغنام والماعز، مشيرًا إلى أن الذبح يقتصر حاليًا على إناث الأبقار فقط، بالنظر إلى كلفتها المرتفعة وعدم القدرة على تحمّل مصاريف تربيتها. غير أن هذه التصريحات تبقى، حسب العديد من المهنيين، بعيدة عن الواقع الذي ترصده الجمعيات الفلاحية يوميًا في الحقول والأسواق.
إن تهاون السلطات المعنية في فرض تطبيق القانون وتفعيل آليات الرقابة والمواكبة، يجعل من القرار الحكومي حبراً على ورق، ويهدد بكارثة حقيقية في توازن القطيع الوطني على المدى القريب. فأمام تعمّق الأزمة المناخية، وتراجع الموارد، وغياب سياسات دعم استعجالية وفعالة، يُخشى أن يتحول نزيف إناث المواشي إلى نقطة اللاعودة.
المطلوب اليوم ليس فقط تسريع صرف الدعم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل أيضًا استنهاض أجهزة الرقابة، وفتح تحقيقات ميدانية، ومحاسبة كل من يساهم في تعميق الأزمة عبر التهاون أو التواطؤ. فالأمن الغذائي يبدأ من الحقول، وما يجري اليوم يُنذر بفقدان هذا الأمن تدريجيًا، وسط تجاهل مؤسف من الجهات المعنية.