جمال بدومة يكتب: النهاية The end

جمال بدومة:
اذا لم تكن تعرف ان مسلما كفر وتزوج امال صقر، وان طليقته « غسلت بها الأرض »، في فيديو شاهده اربعة ملايين فضولي، فإنك تعيش خارج التاريخ. اذا لم تكن ممن يشاهدون فيديوهات « روتيني اليومي » ومعارك دنيا باطمة وسيمو بلبشير وحمزة مون بيبي وسكينة كلامور، ولم تكن تتابع معارضي « يوتوب » و « كلاشات الرواية » وتجد صعوبة في قراءة هذه الجملة… فأنت خارج « الطوندونس » ولا تملك وعي عصرك. وإذا كنت تتساءل هل الغلط فيك أم حواليك، دعني اقطع شكك باليقين: الخطأ فيك. اذا لم تستطع ان تفهم ما يتلاحق حولك من تطورات يستحسن ان تلتحق بجدك الديناصور أو تفتش عن كهف تنشر فيه أغراضك، بعيدا عن البشرية وخصوصًا عن « الكونيكسيون ». ما يحصل حولك هو الحاضر والمستقبل، وما تعتقد انه الواقع والحقيقة، وتنتظر عودته، ليس سوى الماضي، أيها الرجعي القديم. لن تتوقف التفاهة بل ستزيد: « الروتين اليومي » سيتضاعف و »شوف تي في » ستتوالد، وعاجل وفضيحة وبارتاجي وشاهد قبل الحذف…

المغرب ليس استثناء في الحياة الافتراضية، بل مجرد شارع صغير في هذه البلدة العالمية التي تنبأ بها الجد ماكلوهان. المغاربة سقطوا مبكرًا في الشبكة، كغيرهم من مواطني الكوكب، وانتشروا كالجراد على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الجميع يكتب ويصور وينشر سخافاته على الملأ، وبات الملايين يسكنون في فيسبوك وتويتر ويوتوب… أكثر مما يسكنون في بيوتهم.
الظاهرة كونية، لها ما لها وعليها ما عليها، والتفاهة لا تقتل، كما يقول الفرنسيون. لكنها تأخذ منحى مأساويا في المغرب، لان المؤسسات التقليدية مصابة بالإفلاس، من المدرسة الى الحزب مرورًا بالتلفزيون والجريدة والجمعية، ما ترك فراغًا مهولًا، ملأته تفاهات العالم الرقمي. منظومة كاملة من القيم تنهار امام اعيننا دون ان نستطيع فعل اي شيء. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المؤطر الاول للأجيال الجديدة من المغاربة، تفوقت على الاسرة والمدرسة والجريدة والكتاب والجمعية والحزب… من يعرف اليوم عبد الله الحريف أو عبد الحميد أمين؟ لو سألت مواليد التسعينيات والألفين عن اهم المعارضين في المغرب لقالوا لك مول الكاسكيطة وولد لگرية، والاكثر اطلاعًا سيذكر ريشار عزوز!

كان يمكن للمدرسة أن ترتب الأشياء في رؤوس الصغار، وتعلمهم كيف يتعاملون مع هذه الوسائط، دون يغرقوا في مستنقع السخافة، لكن « كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو ». الفوضى التي يتخبط فيه التعليم لا يضاهيها خطورة إلا التسيب الذي يعرفه الاعلام العمومي. بدل ان يؤدي التلفزيون مهماته الثلاث، في الإخبار والتثقيف والترفيه، أصبح يتسابق على الضحالة مع المواقع الصفراء ووسائل التواصل الاجتماعي. عندنا القنوات الوحيدة في العالم، التي يمولها المواطن من جيبه وتقصفه بالإشهارات دون توقف، وببرامج لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المهنية واحترام ذكاء الجمهور. ومع ذلك تعاني من أزمة مالية، اضطرت « دوزيم » مؤخرا الى إيقاف البث على « نايل سات »، مما يعفي المغاربة المقيمين في الخارج من التقاطها، وهو في حد ذاته خبر سارّ لكل المهاجرين المصايين بالسكري والكوليسترول، الذين كانوا يضطرون لمشاهدتها لسبب او لآخر. ولنتأمل المشهد: قناة يمولها دافعو الضرائب، ولا تتوقف عن بث الإعلانات طوال النهار، وتقدم برامج سطحية ورخيصة، بكل المعاني، ومع ذلك تعاني من الافلاس المالي… إذا لم يكن ذلك مبررا لفتح تحقيق بشبهة الفساد وسوء التدبير، فان البلاد تمشي على رأسها.
ولعل الدليل على ان وسائل الاعلام التقليدية باتت تتسابق مع وسائل التواصل الاجتماعي نحو التفاهة والحضيض هو ان معظم المواقع الإعلامية نشرت مؤخرا إشاعة وفاة الفنان عبد القادر مطاع، شافاه الله واطال في عمره، بما فيها قناة ميدي1. مما يعني ان قواعد المهنة لم تعد تهم احدا، وأن القنوات العمومية، التي تمول من دافعي الضرائب، بدل ان تقاوم الموجة تركبها. لو وضعنا اليوم « لوغو » « شوفي تي في » مكان « دوزيم »، مثلا، لما أحسسنا باي فرق!

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *