تساءل عبد العلي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية وأستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، عمّا إذا كانت محطة “البلوكاج” الشهيرة سنة 2016 مجرد حادثة عابرة في المشهد السياسي المغربي أم أنها شكلت إغلاقًا نهائيًا لقوس الربيع الديمقراطي.
في تدوينة مطولة على حسابه بـ”فايسبوك”، أشار إلى أن العملية الانتخابية في المغرب تواجه معوقات بنيوية عميقة، أدت إلى ترسيخ حالة من الإحباط والرفض الشعبي للمشاركة في الانتخابات، وهو إحباط تغذّى من خيبات متراكمة، كان آخرها ما حصل عقب انتخابات 8 شتنبر 2021.
وأكد أن أي قراءة للواقع السياسي لا يمكن أن تتجاهل هذه الأجواء، وأنه لا يمكن لعاقل يحترم ذكاء المواطنين أن يطلب منهم دعمه انتخابيًا دون تحليل سياسي عميق لما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل. لذلك، يطرح حامي الدين أسئلة جوهرية لم يتم الإجابة عنها بعد: لماذا وقع “البلوكاج”؟ وما هي تداعياته؟ وكيف أثر على المناخ السياسي العام في المغرب وعلى مسار البناء الديمقراطي الذي لم يكتمل كما كان مأمولًا؟
وطرح حامي الدين فرضيات عدة حول خلفيات “البلوكاج”، متسائلًا إن كان هذا الوضع انعكاسًا لانسداد سياسي بنيوي والتفافًا على إرادة الناخبين، وإشارة إلى نهاية الانفتاح السياسي الذي فرضه الربيع العربي، أم أنه كان مجرد تحرك مرحلي من السلطة المركزية استجابة لمستجدات محلية وإقليمية ودولية.
كما اعتبر أن تحميل المسؤولية لعزيز أخنوش هو تبسيط ساذج للأزمة، موضحًا أن الحديث عن كونه مهندس “البلوكاج” ليس سوى نكتة سياسية مكررة، لأن الحقيقة أعمق من ذلك. وأكد أن المسألة ليست مجرد صراع بين الأحزاب، بل ترتبط بإرادة الدولة في مواصلة مسار البناء الديمقراطي، متسائلًا إن كان ما حدث بمثابة ردٍّ على مواقف وتصريحات لم يستطع النظام السياسي تحملها، أم أنه جاء كنتيجة مباشرة لشعبية بنكيران وخطابه السياسي الجريء، خصوصًا عندما تجاوز الخطوط المتعارف عليها في الحديث عن مؤسسة عليا، أو عندما تحدث في الصحافة بتصريحات أثارت حساسيات معينة.
وأضاف أن ما وقع قد يكون تعبيرًا عن اصطدام بين منهج “بناء الثقة” الذي حاول العدالة والتنمية ترسيخه، وبين منطق السلطة الذي لا يقبل بأي حزب قوي ومنظم، بغض النظر عن مرجعيته الفكرية والسياسية، لأن هذا الحزب قد يشكل تهديدًا لبنية الحكم التقليدية، التي ترى في أي تقدم ديمقراطي انتقاصًا من سلطتها المركزية.
وأكد حامي الدين أن “البلوكاج” كان انعكاسًا واضحًا لأزمة عميقة بين حزب العدالة والتنمية والسلطة العليا في البلاد، مشددًا على أن هذه المرحلة لا تزال تحتاج إلى تقييم سياسي دقيق وموضوعي، لأن الحزب لم يقم بعد بالمراجعة الضرورية لمعالجة الأزمة المركبة التي هزت علاقته بالمؤسسات الحاكمة، مما أدى إلى حالة من الفراغ السياسي القاتل الذي يهدد كل المكتسبات الديمقراطية ويفتح الباب أمام سيناريوهات مجهولة العواقب.
كما كشف عن معطيات مثيرة، أبرزها أن اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس بعبد الإله بنكيران بعد تعيينه، بحضور مصطفى الرميد، ظل محاطًا بالكتمان، حيث لم يتم إطلاع الأمانة العامة للحزب، ولا المجلس الوطني، ولا أي هيئة أخرى على مضامينه وما جرى خلاله. وأشار إلى أن هذا الاجتماع كان مصيريًا بالنسبة للحزب، وأن لو كانت قيادته على علم بتفاصيله في حينه، لكان الحزب قد اتخذ خيارات أخرى، وربما كان بالإمكان تفادي التداعيات العميقة التي خلفها “بلوكاج” استمر ستة أشهر كاملة.
وانتقد حامي الدين الوضع السياسي الحالي، متسائلًا عن أي انتخابات يمكن الحديث عنها الآن، في ظل القطيعة السياسية القائمة بين الحزب ودوائر القرار العليا؟ وهل يمكن الحديث عن مشاركة انتخابية جديدة دون مراجعة علاقة الحزب بالدولة وبحث أسباب هذا “سوء الفهم الكبير” الذي أفسد المسار الديمقراطي؟
وختم تدوينته برسالة تحذيرية، مؤكدًا أن السياسة ليست ارتجالًا أو برغماتية فارغة، بل هي أخلاق ومسؤولية ورؤية استراتيجية، معتبرًا أن البلاد تمر من مرحلة مفصلية وخطيرة تتطلب فتح العيون والعقول على الأسئلة الحقيقية، وإدراك حجم المخاطر التي تهدد الوطن والمجتمع في غياب رؤية سياسية واضحة للخروج من الأزمة.