احمد الحريري
قوة دولة او بلد تحددها قوة مواطنيه ومدى مساهمتهم في تقدم البشرية وإنتاج المعرفة.. والحديث عن المدرسة المغربية هو حديث في عمقه عن الشخصية المغربية وعن المواطن الدي نريد للمغرب الدي نتمناه.. انه نقاش عن مدى قدرة المغربي على تملك شخصيته المتفردة التي تمتح من تاريخ وموروث متعدد المشارب بعيد عن كل تبعية للأجنبي.. هذه التبعية المقيتة، سواء للغرب أو للشرق، في شتى تجليات الحياة بمجتمعنا هي ما جعلنا لا نتملك ذواتنا ولا نستطيع أو على الأقل نتأخر في التقدم في مسار خاص بنا من إبداعنا وهندستنا.. وعلى مقاسنا.
إن النقاش، يجب أن ينصب على إعادة أو بداية تملك المغربي لشخصيته المغربية عبر إدماج ما يميز ثقافته المتعددة الروافد في منظومته التعليمية ودفعه إلى الافتخار بمغربيته وانتماءه لهذه الثقافة وهذه الأرض..
أكيد ان هذا العمل لن يقوم به لا المسيطرون على مقدرات الشعب ولا المطبلون لهم.. إن إنتاج ونشر الثقافة الشعبية المغربية رهين بالقوى الحية الديمقراطية والحداثية بالوطن.. صعب في ظل ظروف التبعية والحالة المزرية اقتصاديا واجتماعيا والجبانة سياسيا، أن تطلب من المواطن المغربي الافتخار بانتمائه لهذه الرقعة من العالم.. إذا أضفنا إلى ذلك التبخيس الممنهج لثقافته وإبداعه وموروثه الذي ساهم به في تقدم الإنسانية فأكيد أن النتيجة ستكون ما رأيناه في استطلاع مؤخرا: أكثر من ثمانين بالمائة من الشباب سيهاجرون لو أتيحت لهم الفرصة، نسبة كبيرة منهم دون أي نية في الرجوع..
إن بناء هذا الوطن وتقدمه رهين بالاعتراف لمواطنيه بحقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية وادماجها منذ الصغر في منظومته القيمية التي تعتبر المدرسة والتنشئة الاجتماعية اهم وسيلة لتكريسها..
ما دام بعض من سيطروا على العقول يدعون أن كل ما أنتجه المغربي عبر تاريخه ليس سوى نتيجة يعود الفضل فيها لما منحه إياه زيد من المشرق أو جاك من الغرب.. فسيظل مجتمعنا مسلوب الهوية والإرادة.. وصعب أن يعرف طريقه إلى التقدم..
إن النقاش حول المدرسة هو في العمق بين من يريدون أن نبقى حبيسي تبعية مقيتة لثقافة لم يعد أصحابها ينتجون سوى العنف وخطاب العنصرية والتعالي على الآخرين بدعوى إن لغتهم ربانية ولغة الجنة، او ثقافة تمجد كل ما هو غربي وريث فكر استعماري متعال يرانا قصرا لا نستطيع التقدم الا بتوجيهاته.. وبين من يدافعون عن الشخصية المغربية المنسجمة مع ذاتها ومحيطها حيث اللغات والثقافات العربية والغربية روافد أساسية ومصيرية في الثقافة المغربية ولكنها ليست وحدها وليس بالشكل الذي يدعيه الأصوليون والتبع.. روافد أساسية إلى جانب الأمازيغية والدارجة والثقافات العبرية والإفريقية الاندلسية.. لا فضل للغة أو ثقافة على الأخرى إلا بقدر ما تمنح للمغربي من قدرة على التفكير الحر المستقل عن خزعبلات وأكاذيب الكهنة الدينيين واللغويين والمستشرقين الجدد، الذين لا يهمهم سوى تأبيد سيطرتهم الفكرية والثقافية والسياسية للاستمرار في نهب مقدرات الوطن..
نعم لمدرسة عمومية مغربية شعبية حداثية تزرع في أطفالنا الفخر بالانتماء لهذا الوطن، وتشجعهم على التفكير والنقد البناء، عبر إدماج ثقافتنا في مقرراتنا الدراسية ببغريرها وقفطانها وكسكسها وطجينها وبأمازيغيتها ووشومها واحتفالاتها ورموزها وحروفها وبتاريخها وانتصاراتها وهزائمها … ولا لعزل المدرسة عن محيطها وبيئتها المغربية وجعلها جزيرة كما كانت ولا زالت إلى يومنا لإنتاج الغباء والتطرف والإحساس بالانتماء إلى أي كان من غير هذا الوطن
نعم لإعادة الاعتبار للأستاذ، باعتباره الفاعل الأساسي في عملية التعلم وبناء المهارات.. ماديا ومعنويا وأيضا على مستوى التكوين المستمر والصورة التي يروجها عنه الإعلام..
نعم لإعادة الاعتبار للمدرسة كبناية وفضاء يقطع مع الظواهر السلبية وبؤس الشارع..
يجب أن تكون المدرسة ملاذا لأبناء الشعب من قهر الشارع وربما البيت.. لا مكانا لإعادة إنتاج نفس العلاقات المرضية المتسلطة والقامعة للفكر والحرية..
يجب أن تتحول المدرسة إلى فضاء لاكتساب مهارات الاستقلالية والتفكير الحر وطرح الأسئلة وللشغب الفكري الجميل، وهذا رهين بجعلها في مركز مشروع مجتمعي يهدف إلى بناء الشخصية المغربية المستقلة اقتصاديا وسياسيا ودينيا وثقافيا..
الشخصية المغربية نتاج ثقافي لتراكمات وتلاقحات تاريخية ما كانت لترى النور لولا قدرتنا على الانفتاح واستيعاب كل جديد وغني في مختلف الثقافات عبر العصور.. لم يجمد تفكيرنا إلا حينما ربطنا ذاتنا بتبعية غبية لمن لا يملك حلا حتى لازمته.. فبالأحرى لمشاكلنا..
النموذج التنموي المغربي لا يمكن ان يكون سوى وليد بيئته وشبيه الناس الذين يوضع من اجلهم إذا كنا نريد له ان ينجح ويحقق طفرة في وعي الناس ومعيشهم.. والمدرسة العمومية يجب ان تكون في صلب مخرجاته.. فلا اقتصاد ولا سياسة ولا تقدم بدون وضع المدرسة على سكة الإصلاح.. إن كنا فعلا صادقين في رغبتنا في وضع وطننا على خارطة الشعوب المؤثرة والفاعلة في مجريات التاريخ المعاصر..
الطفل المنسجم مع ذاته يمكن أن يكون سعيدا ومبدعا وإن لم يكن الأفضل أو الأول.. وهو مواطن الغد الذي يبنى منذ اليوم..
أن تعتقد أنك موعود بالأفضل لا يعني أنك تستحقه دون عناء..