حرية التعبير في ظل التشوه الديمقراطي

علي الغنبوري

هناك من يلخص الديمقراطية في وجود اغلبية ، تفرض على الجميع الخنوع و الخضوع لافكارها و تصوراتها ، دون اي اختلاف او معارضة ، حيث يصبح المجتمع وحدة نمطية او بمعنى اصح منمطة، و تابعة لمنطق سائد بغض النظر عن صوابه او خطئه .

للاسف هذا التصور الناقص و المشوه للديمقراطية ، اصبح يتغلغل بشكل مخيف ، داخل كل مناحي الحياة السياسية و المجتمعية ، بحيث يصبح اي تعبير عن الراي المخالف ، جرما و عارا ، يعرض صاحبه للتنكيل و التشويه و الفضح .

و لعل ما يجري داخل فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي ، لخير دليل على هذا المنطق المعطوب للديمقراطية ، حيث نتابع بشكل متواصل ،كيف يتم الحجر على الاختلاف و التعبير عنه ، بشكل هستيري و صدامي ، من طرف اطراف سياسية بدرجة اولى ، تدعي الحديث باسم القناعات الجماعية لعموم المغاربة .

و الغريب في الامر ،ان نفس اؤلائك الذين يدعون النضال و الدفاع عن الاختلاف و التنوع و حرية الراي و التعبير ، هم نفسهم من ينتصب لقمع و تبخيس و تشويه اي خطاب او راي معارض لما يؤمنون به ، حيث تصبح التهم الجاهزة و التنكيل ، بديلا عن النقاش و المحاججة .

اذا كانت الديمقراطية تقتضي افراز اغلبية تعكس توجهات المجتمع ، فهي لا تعني باي حال من الاحوال الحجر على باقي الاراء الموجودة داخل المجتمع ،كما لا تعني تعطيل الحوار الجاد و الموضوعي حول مختلف القضايا و الاشكاليات المجتمعية و السياسية .

كما ان النقاش داخل المنظومة الديمقراطية ، لا يمكن لجمه او تطويقه باي حدود او متاريس ، فهو حر غير قابل للتحوير و التوجيه او الحجر ، و اي اختلاف في النقاش و التعبير عن الراي ، لا يمكنه ان يشكل منطلقا للهجوم و التنكيل بمن يعبر عنه.

ما نعيشه اليوم ، بعيد عن اي منطق ديمقراطي ، فهناك من يستعمل الديمقراطية للوصاية على الاختلاف في الراي و التعبير ، لرسم حدوده و منطلقاته بما يتوافق مع قناعاته و افكاره و مصالحه ، فيكفي ان تعبر مثلا عن راي مخالف فيما يخص معتقلي الريف او المنظومة التعليمية او الواقع الحقوقي بالبلاد ، لتتحول الى هدف لهجمات متعددة ، تجعل منك عميل و منبطح و انتهازي .

هذه الرقابة و الوصاية على النقاش و الاختلاف و التعدد في الراي و التعبير ، هو تشوه ديمقراطي ترسخ بشكل غريب و ملتبس ببلادنا ، و تحول بشكل مؤسف لعائق حقيقي امام اي اصلاح او تقدم او بناء ديمقراطي جاد و موضوعي .

فتعطيل النقاش الحر ، المبني على الاختلاف و التنوع و التعدد ، هو تعبير عن الديكتاتورية و السادية التي تذكي شرارتها بعض الاطراف غير المؤمنة بالديمقراطية و منظومتها القيمية و الاخلاقية ، و التي تهدف الى تكريس واقع مشوه ، تكون لها الكلمة الغالبة داخله .

الايمان بالديمقراطية ، هو ايمان حتمي بالاختلاف و التعدد و التنوع ، و بحرية الراي و التعبير و النقاش ، و اي استثناء لهذه المكونات ، هو خروج واضح عن الديمقراطية ، و توجه اكيد نحو التخريب و الهدم .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *