حكومة “الغلاء” و”البلاء”

بقلم: مصطفى الفن

أختلف مع بعض الأصدقاء الأعزاء الذين يعزون سبب الغلاء في المغرب إلى تعدد المضاربين وإلى تعدد الوسطاء وإلى التجار البسطاء من أبناء الشعب..

صحيح قد تكون هذه الفرضية واردة لكن في مشهد اقتصادي تنافسي شريف وصحي وخاضع لآليات حكامة صارمة لا تحابي أحدًا..

لكن من منا لا يعرف “خروب” بلده وأعطاب الاقتصاد الوطني وكيفية اشتغال هذه “الماكينة”؟..

بل هناك من يقول إن الغنى والفقر في بلدي تسأل عنهما السياسة في المقام الأول..

ولعل ما يحكيه الرئيس السابق لمجلس المنافسة إدريس الكراوي في بعض جلساته خطير وخطير جدا..

وفعلا إن ما وقع لهذا الأستاذ الجامعي مع اللوبي الجهنمي لقطاع المحروقات هو أقرب ربما إلى “الاضطهاد” حتى لا أقول شيئا آخر..

كما أن الناس قد يتفهمون أن تشتعل الأسعار في كل شيء لأي سبب من الأسباب..

كأن يتم ربط الغلاء مثلا بالجفاف وبندرة المياه وبالبرد وبالثلج وبالحرب في أوكرانيا وبارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية..

نعم هكذا قيل لنا، في وقت سابق من طرف الناطق الرسمي باسم الحكومة، لتبرير “الجشع” وربما لتبرير “الجرم” أيضا..

أكثر من هذا، لقد قيل لنا أيضا ما هو أغرب من ذلك وهو أن سبب التأخر في إيواء ضحايا زلزال الحوز هو قلة اليد العاملة في بلد حطمت فيه البطالة أرقاما قياسية مع هذه الحكومة..

فيما “الحقيقة” هي أن عملية إيواء ضحايا زلزال الحوز سببه وجود وزيرة “كسولة” تمتهن الغياب وتمتهن التغيب وفوضت جميع صلاحياتها في الوزارة وفي والجماعة إلى غيرها وتفرغت هي إلى الأهم وهو حل مشاكل أصهارها وتثبيتهم في المناصب والمسؤوليات..

أغلق هذا القوس وأعود لأقول ما لم تقله الحكومة أو ناطقها الرسمي وهو أن الغلاء له سبب رئيسي ومباشر هو “الاحتكار”..

وبالفعل، فهذه الحيثان الكبيرة، التي تحتكر اليوم البر والبحر والجو، تعاملت دائما مع المغاربة بمنطق “المنشار” ولم تتعامل أبدًا حتى بقانون السوق وبأخلاق التجارة..

وليس سرا أن هذه الحيثان الكبيرة لها سوابق في “شبهة التواطؤ” لكي تظل نار الغلاء مشتعلة في كل شيء حتى أن كيلوغرام من السردين تجاوز ربما 25 درهما كما لو أننا في بلد بلا سواحل بحرية..

بل إن هذا الارتفاع في الأسعار ظل قاعدة ثابتة في المغرب سواء نزلت الأسعار في السوق الدولية أو لم تنزل..

وهذه مناسبة لنذكر ب”أم الفضائح” التي جرت، في سياق ما، تحت هذا العنوان:

“أوراق وفواتير وهمية مقابل الأموال السائبة لصندوق المقاصة”..

أي عندما كان كبار المحتكرين في سوق المحروقات يأخذون أموالا كثيرة من هذا الصندوق بكيفية هي ربما أقرب إلى شبهة “الاختلاس”..

إذن من حق الناس ربما أن تقول للص المفترض: “أنت لص” ولو أن مثل هذه القضية ينبغي أن تنتهي بالمحاكم في أي دولة تحتكم إلى المؤسسات..

حصل كل هذا “النهب” في المال العام بدون أي وازع أخلاقي أو سياسي أو إنساني في الوقت الذي يعيش فيه ملايين المغاربة تحت عتبة الفقر وتحت عتبة البؤس وبدون حتى الحد الأدنى من الكرامة الآدمية..

شخصيا أتفهم كل هذا الذي ذكرت قبل قليل حول غلاء المعيشة..

لكن غير المفهوم وغير المتفهم هو ألا يحتج الناس..

وألا تحتج أحزاب المعارضة..

وألا تحتج شبيبات الأحزاب..

وألا تحتج النقابات..

وألا تحتج نخب المجتمع..

وألا يحتج رجال التعليم..

وألا يحتج الفايسبوك..

وألا تحتج مواقع التواصل الاجتماعي ضد هذا “الغلاء والبلاء” وضد رئيس حكومة يبيع لنا كل شيء ب”دقة النيف”..

طبعا أنا أتحدث هنا عن الاحتجاج القانوني والسلمي حتى لا يتبلد الحس..

وأيضا حتى لا تموت الأنفس من طول الصمت..

آه، نسيت أن أقول أيضا:
فرغم هذه الحصيلة الكارثية في كل شيء إلا أن المسؤولين عن الكارثة يمنون النفس ودخلوا، هذه الأيام، في السرعة القصوى لعلهم يظفرون بقيادة حكومة المونديال..