تواصل الحكومة إظهار حالة من التخبط والارتباك، حيث تتكرر مشاهد التناقض الصارخ بين مكوناتها، ويتجلى ذلك في ازدواجية الخطاب الذي يتبناه بعض وزرائها، ممن يتقمصون دور المعارضة رغم أنهم جزء أساسي من السلطة التنفيذية.
وأحدث مثال على هذا المشهد العبثي، هو التصريحات المثيرة لنزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، الذي خرج أمام أعضاء حزبه بانتقادات لاذعة ضد ارتفاع الأسعار، متناسياً أنه شريك في التحالف الحكومي، ويده موقعة على نفس السياسات التي عمّقت الأزمة وأثرت سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتطرح هذه الازدواجية تساؤلات جوهرية حول مدى تماسك التحالف الحكومي، وحقيقة الأهداف الكامنة وراء مثل هذه التصريحات، التي يعتبرها البعض مجرد “مزايدات سياسية” و”مناورة مبكرة” استعداداً للانتخابات المقبلة.
ففي الوقت الذي يُفترض أن يتحمل فيه كل وزير مسؤولياته الكاملة، يبدو أن بعضهم يفضل لعب دور المعارض داخل الحكومة، في مشهد يثير الشكوك حول جدية الالتزام الحكومي في معالجة الأزمات الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أن خرجة نزار بركة يمكن تحليلها من ثلاث زوايا، تصب كلها في كوننا أمام “مشهد سريالي”. فمن الزاوية الأولى، قد يُجادل البعض بأن بركة كأمين عام لحزب سياسي له الحق في التعبير عن رأيه في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية، غير أن المصداقية السياسية تفرض عليه تحمل مسؤوليته كوزير في الحكومة وليس مجرد معلق سياسي، إذ أن التدبير الحكومي هو مسؤولية جماعية يتحملها جميع أعضائها، سواء داخل وزاراتهم أو خلال اجتماعات المجلس الحكومي.
أما الزاوية الثانية، فتُظهر وفقاً لليونسي، أن تصريحات بركة تكشف عن ضعف الحكومة في فرض قراراتها واتخاذ إجراءات فعالة للحد من ارتفاع الأسعار. فالدستور ينص بوضوح على أن الإدارة موضوعة رهن إشارة الحكومة، مما يعني أن بركة بصفته وزيراً يستطيع اتخاذ خطوات عملية للحد من المضاربات والاحتكار، بدل الاكتفاء بإلقاء اللوم وكأنه مجرد متفرج على المشهد.
أما الزاوية الثالثة، فتُبرز عجز الدولة بمختلف مؤسساتها، بما في ذلك الحكومة، عن السيطرة على تغوّل الرأسمال وجشع القطاع الخاص، حيث باتت هذه المؤسسات عاجزة عن كبح جماح الاحتكار الذي يواصل سحق القدرة الشرائية للمواطنين، دون أي تدخل حقيقي يضع حداً لهذا الانفلات.
في ختام تحليله، يطرح اليونسي معادلة واضحة: إذا كان نزار بركة يرى أن الحكومة التي ينتمي إليها غير قادرة على إيقاف زحف ارتفاع الأسعار، فإن الخيار المنطقي أمامه هو الاستقالة، وإعلان فشل حكومته في مواجهة الأزمة. أما إذا كان جادًا في انتقاداته، فعليه تحمل مسؤوليته واتخاذ إجراءات ملموسة للحد من الارتفاع المهول للأسعار، بدل الاكتفاء بالمزايدات الخطابية التي لا تخدم سوى أجندات سياسية بعيدة عن هموم المواطن المغربي.