بقلم: إدريس الأندلسي
تتعدد الاوراش في بلادنا لتقوي شبكة البنيات الأساسية الكبرى من طرق و مطارات و سدود و مركبات رياضية . و تعتبر هذه الاوراش ذات أثر على حركة الإقتصاد، و هذا لا يختلف عليه اثنان.
انطلق ورش التغطية الإجتماعية و اتسعت مساحة التغطية. و لكن آثار هذه الاوراش لا زالت بطيئة في مجال التأثير على الإنسان المغربي.
لا زالت قرانا و هوامش مدننا تعيش في زمن آخر غير ذلك نعيشه و نحن داخل مقصورات البراق، و نحن ننتشي بالسرعة و الوصول إلى طنجة أو الرباط في أوقات قياسية.
لا يوجد أي مغربي يمكن أن يتنكر لكل ما ينجز في بلاده.
و لا يمكن أن نجد متعة و نحن ننتقد ممارسة السياسة و نتائج السياسات العمومية. حين تقول كل التقارير أن التعليم و الصحة و التدبير العمومي لمؤسسات الوطن لا يعكس انتظارات المواطنين، فإنها لا تحمل بالضرورة خطابا تبخيسيا أو سياساويا عدميا.
تزايد حجم الفساد، كما جاء في آخر تقرير لمنظمة ترانبرانسي حول تقييم مؤشر الرشوة، و تراجعنا إلى الرتبة 99 عالميا. سجلنا رفض الحزب الذي يقود الحكومة لتقرير هيئة النزاهة و محاربة الرشوة و انسحاب فريقه البرلماني من جلسة تقرير هيئة دستورية. تكاثرت ملفات فساد و وصلت إلى المحاكم و كان أبطالها مسؤولون سياسيون ،يقبع بعضهم في السجون .
تراجعت مؤشرات كثيرة تهم التنمية الاجتماعية و التمدرس و الولوج إلى العلاجات.
و يستمر، بالرغم من كل هذا، تغني الحكومة بإنجازات في عدة مجالات.
لا ترى في البطالة المنتشرة إلا مناسبة للتقليل من قيمة المندوبية السامية للتخطيط. و لا ترى في بيانات جمعيات محاربة الفساد إلا مبررا لمنعها من القيام بدورها المواطناتي، وابعادها من الوصول إلى طرح ملفات الفساد أمام القضاء. تتفرج الحكومة على تدهور القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
تغذي وسطاء اقتصاد الريع بالمنح و يظل السوق في قبضة هؤلاء و الأسعار ملتهبة. و و يقول اخنوش ” احمدوا الله على وفرة السلع في السوق” .و في الأخير تنتبه هذه الحكومة إلى تاريخ الانتخابات المقبلة لتظهر على مكوناتها علامات التفكك و تغيير الخطابات. و أكد حزب الاستقلال أخير، و المشارك في الحكومة، أن الوسطاء و السماسرة يستولون على أكثر من 50% من سعر كيلوغرام من اللحوم الحمراء.
يقع هذا رغم مئات ملايين الدراهم التي استفاد منها المستوردون خلال عيد الأضحى و بعده. و الأمر يهم كل ما يتم استيراده من الخارج، و خصوصا البنزين و الغاز.
يحب المغاربة وطنهم و يرفعون درجة علاقتهم به إلى مرتبة العشق. و لا يمكن أن تتطور علاقة بأرض و وحدة و ثقافة إلا إذا كانت الجذور ممتدة إلى المدى العميق و الموغل في القرون التي مضت. شجرة المغاربة متعددة وسائل تعمقها في بنيات السهل و الجبل و الرمال. وصلت أصوات احدثتها أمواج المحيط و البحر المتوسط إلى سهول و مرتفعات اطلسية ثم عانقت كثبان رمال صحراء شرقية و غربية لا زالت تضيء بنار العشق لوحدة الوطن.
هكذا سكن هم الوحدة و بناء الذات من سبقونا إلى أرض المغرب الطيبة و المضيافة. و هكذا أصبحنا نخاف من أنفسنا على طمأنينة صنعتها قرون من العشق لأرض جمعتنا. قد يقول صاحب النفس و الشخصية القوية، حسب معايير هذا الزمن، أن الكلام في غير محله. و لايمكن الرد عليه إلا بالتأكيد على ما اتفق عليه الحكماء حين قال بعض منهم: ” من لا ماضي له، لا حاضر له” و أضيف، و لا مستقبل له .
و يمكن القول، بكثير من الإيمان ، أن بعض المغاربة القياديين في أحزاب و نقابات و جمعيات، فضح دستور 2011 تصوراتهم و أساليب نظرتهم إلى مراكزهم ، و دفعهم إلى التفكير، من جديد في مستقبل بلادهم. اختفى الكثير منهم حين كان من اللازم مواجهة مطالب المجتمع التي تم تأريخها في 20 فبراير قبل حوالي 14 سنة. تتعرض كل الدول و المجتمعات إلى هزات سببها عدم الاجتهاد في مجال تتبع نبض المجتمع بكافة فئاته. تنشغل المؤسسات الرسمية بالمشاريع و تدبير الإدارات و حضور المؤتمرات و الاغراق في تقديس آراء التقنوقراط، و تصديق قوة بعض النخب في تمثيلهم لفئات الشعب عبر تراب الوطن. قد تكون بعض الإدارات الترابية و الأمنية و الدينية و الثقافية، أكثر التصاقا بالأرض و بالواقع من كثير من قيادات مؤسسات الوساطة السياسية و النقابية و الجمعوية.
و لا يمكن أن نعطي أية ملاحظة إيجابية عما قامت به مؤسسات الوساطة، بمختلف أشكالها، للتعامل مع أزمات إجتماعية خلال العقدين الأخيرين. اختفى الوزير و الحزب و النقابة و الجمعية حين ظهرت أزمات الحسيمة و جرادة ، و كثير من الأحياء الهامشية و القرى.
استثمر الكثير من أصحاب المصالح في إيجاد سبل كثيرة للدخول إلى ميدان القرار السياسي وطنيا و محليا. حلت كائنات ” حزبية دخيلة” بورشات صنع القرار .
لم تكن مسلحة بإرادة و لا بتكوين و لا بأخلاق، و فضلت الاقتراب من مربع هشاشة بعض الأحزاب و النقابات و الشخصيات.
و جدت تربة خصبة مكنتها من تسربها إلى مخلوقات ذات كفاءة في تهميش القيم و الدوس على قواعد السلوك المواطناتي و التشهير بكل حامل لفكر و رغبة في إصلاح البلاد.
ظهر الثراء الفاحش، بفعل تبخيس المرافق العامة و الضغط على المواطن لكي ينطق بشهادة الكفر بالمؤسسات التي تكون سقف الوطن و أركانه. و تعد حالات الاعتقال و الإحالة على المحاكمات، في يومنا هذا، بالمئات في بلادنا.
و لا زال المجهود القانوني المؤسساتي مطلوبا لمحاربة الاثراء غير المشروع المستوطن في الكثير من القطاعات. و لا زال الخطر يداهمنا في ظل إصرار بعض قيادات السياسة في هذا الزمن على إجهاض تجربة المجتمع المدني في فضح الفساد بكل أشكاله. يريدون خلط الحابل بالنابل و عزل ذوي الغيرة على البلاد ،بل و خلطهم و تشبيههم بسماسرة التشهير و مجرمي مساومة بعض المسؤولين.
يعرف المواطن مواطن الداء.
و يعرف من يسيطرون على القرار ،كيف صنعوا، أو كيف تم صنعهم، بالإغراء، و الرشوة، و صنع المراتب المواتية للخدوم . و قد أصبح من اللازم تحصين مؤسساتنا بتطبيق مبادئ الدستور و على رأسها ” تقييم نتائج السياسات العمومية و ربط المسؤولية بالمحاسبة “.
المواطن المغربي يحب بلاده حتى النخاع، لم يعبر بغير دعم و فرح ببداية محاسبة قانونية لمن اخلوا بالواجب و خانوا الأمانة. طرح عاهل البلاد سؤالا ،بحرقة و رغبة في تحصين تدبير الشأن العام، أين الثروة؟ ساهم محبو الوطن في البحث عن الجواب.
تبين أن غياب المنافسة في مجال استيراد الغاز و البترول و الأدوية تخفي الثروة. تبين أن التهرب الضريبي و اقتصاد الريع و غياب تدابير عملية تحمي المواطن من تجاوزات سوق العقار تخفي الثروة. \
تبين أن القطاع غير المهيكل الكبير و التهريب و تجارة المخدرات أوصلت جزءا من الكتلة النقدية التي توجد خارج البنوك إلى 400 مليار درهم. بحثت عنها إدارة الضرائب فوجدت جزءا كبيرا منها. كثرة التعامل بالأوراق النقدية يخفي الثروة. دواء الممارسة السياسية تكمن في استمرار منهج البحث عن مصادر الاغتناء السريع و غير المبرر، في دعم منظومتنا القضائية في متابعة عملها الذي يعمق ثقة المواطن في كافة مؤسسات بلاده.
كلما زاد زخم عدم الإفلات من المحاسبة و العقاب، كلما هجر المفسدون ميدان ممارسة السياسة، و كلما عادت الثقة لدى شباب و شيب بلادنا، زادت درجة الإقبال على العمل السياسي الوطني.
و هكذا سيكبر حلمنا في تفجر طاقات خلق الثروات و توزيعها لتحقيق العدالة الإجتماعية و المجالية.