حلم الربط القاري بين طنجة والجزيرة الخضراء يصطدم بكلفة خيالية وتحديات معقدة

عاد مشروع النفق البحري الرابط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق إلى واجهة النقاش من جديد، مدفوعًا بتحسن العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن الحلم القديم ما يزال يصطدم بعقبات تقنية وتمويلية تجعل تنفيذه محل شك، حتى في نظر أكثر المتحمسين له.

الفكرة التي وُلدت قبل عقود ضمن اتفاق تعاون مشترك، بدأت تستعيد زخمها بعد تحركات إسبانية رسمية لإحياء المشروع، من خلال تخصيص ميزانية لفائدة مؤسسة SECEGSA، المكلفة بدراسة إمكانيات الربط الثابت بين الضفتين. المؤسسة، التي ظلت لسنوات في وضع “نوم تقني”، حصلت مؤخرًا على دفعة جديدة تمثلت في طرح مناقصة تقنية تتعلق بتقييم إمكانية الحفر باستخدام آلات TBM العملاقة.

وأسفرت المناقصة عن فوز الشركة الألمانية “هيرنكنيخت إيبيريكا” بعقد قيمته 296 ألف يورو، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. الشركة تُعد من الرواد العالميين في تقنيات الحفر تحت الأرض، وقد شاركت في مشاريع عملاقة للبنى التحتية حول العالم.

وفي الوقت الذي تحاول فيه وزارة النقل الإسبانية إضفاء زخم جديد على المشروع من خلال الإعلان عن لقاءات مرتقبة بين الفاعلين الإسبان والمغاربة، لا تزال الحكومة تتحفظ عن تقديم أي جدول زمني واضح لإنجاز هذا الربط القاري، مؤكدة أن المشروع ما زال في مرحلة دراسات الجدوى الأولية.

المعطيات التقنية تشير إلى أن النفق، إذا تم تنفيذه، سيكون بطول 38.7 كلم، منها 27.7 كلم تحت البحر، وعلى عمق يصل إلى 100 متر، وسيعتمد على نموذج نفق سككي مزدوج، على شاكلة نفق المانش بين فرنسا وإنجلترا، مع توقّع زمن عبور لا يتجاوز 30 دقيقة. إلا أن هذه الرؤية تصطدم بجدار الواقع، خاصة وأن تكلفة المشروع قُدرت قبل 30 سنة بـ13 مليار يورو، رقم يُرجح أنه تضاعف أو أكثر في ظل السياق الاقتصادي الراهن.

وإن كان المشروع يندرج ضمن طموح استراتيجي لتعزيز التكامل الأورومتوسطي، إلا أن التحديات اللوجستيكية، والتعقيدات الجيولوجية لمضيق جبل طارق، وحجم الاستثمار المطلوب، تطرح علامات استفهام حقيقية حول مدى واقعية المشروع وإمكانية ولادته في الأفق المنظور.

في انتظار مخرجات الدراسات التقنية الجارية، سيبقى النفق حلماً معلقاً بين ضفتي المتوسط… حلم قد يُقرب أوروبا من إفريقيا، لكنه لا يزال في حاجة إلى أكثر من توافق سياسي وإرادة مشتركة.