بقلم د. وصفي بوعزاتي
لا جدال في أن قرار جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده بالدعوة إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي هذا العام جاء في سياق أزمة خانقة ضربت القطاع الفلاحي وأثرت على الاقتصاد الوطني.
هذا القرار، الذي يندرج ضمن اختصاص إمارة المؤمنين، يسلط الضوء على عجز الحكومة عن معالجة الاختلالات العميقة التي سببتها سياساتها الفلاحية غير المتوازنة. لكن السؤال الأهم: من أوصل البلاد إلى هذه المرحلة، حيث أصبح تدخل المؤسسة الملكية ضروريًا لتصحيح أخطاء الحكومة، مما وضعها في مواجهة مباشرة مع صغار الفلاحين؟
الفلاح الصغير: الحلقة الأضعف في المعادلة
في كل موسم عيد أضحى، يعتمد آلاف الفلاحين الصغار على عائدات بيع الماشية لتسديد ديونهم المتراكمة في الخدمات البيطرية و الأدوية و الأعلاف، وسد حاجياتهم الأساسية.
ومع قرار الامتناع عن الذبح هذا العام، يجد هؤلاء أنفسهم أمام كارثة اقتصادية واجتماعية، حيث تتبخر أهم فرصة سنوية لديهم لتغطية خسائرهم وضمان استمراريتهم في تربية الماشية.
تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 80% من مربي الماشية في المغرب هم من صغار الفلاحين، أي أن التأثير سيكون واسع النطاق.
هؤلاء المربون كانوا ينتظرون من الحكومة أن تتخذ إجراءات وقائية لدعمهم، لكن بدلاً من ذلك، لم تفعل شيئًا سوى دفع المؤسسة الملكية للتدخل، كما لو أن الأزمات لا تستوجب أي مسؤولية حكومية!
فشل السياسات الحكومية: أين اختفت وعود “الجيل الأخضر”؟
لقد بشّرت الحكومة مرارًا بمخطط “الجيل الأخضر”، كامتداد لمخطط “المغرب الأخضر”، بهدف تعزيز الفلاحة المستدامة وضمان الأمن الغذائي. لكن الواقع يكشف أن هذه السياسات ظلت حبيسة الخطابات الرسمية، بينما استمر تراجع الإنتاج الحيواني، وارتفعت أسعار الأعلاف بنسبة 70% في بعض المناطق، دون أي تدخل ناجع من الحكومة.
الأدهى من ذلك، أن التدبير الحكومي لم يكتفِ بالتقصير فقط، بل زاد من تعميق الأزمة بقرارات ارتجالية. والدليل الصارخ على ذلك هو اعتراف الوزير فوزي لقجع في احد الجلسات البرلمانية بأن منحة 500 درهم عن كل رأس غنم مستورد التي منحتها الحكومة خلال عيد الأضحى الماضي كانت خطأً فادحًا، حيث أضرّت بالفلاح المغربي أكثر مما أفادته، ودفعت العديد منهم إلى الإفلاس.
هذا الاعتراف لوحده، كان يستوجب استقالة الحكومة فورًا في أي بلد يحترم مسؤولياته السياسية، و لكنه مرّ مرور الكرام، وكأن سوء التدبير لم يكن سوى خطأ عابر لا يستحق المحاسبة!
عندما يصبح الفشل سياسة رسمية:
إذا كانت الحكومة غير قادرة على التخطيط الاستباقي لمواجهة الأزمات، وغير قادرة على تحمل مسؤولية قراراتها الخاطئة، فما الجدوى من استمرارها؟ لماذا يبقى الوزراء في مناصبهم بعد أن يعترفوا بأخطائهم التي أضرت بالفلاحين والاقتصاد الوطني؟
إن استمرار هذه الحكومة لم يعد في مصلحة الوطن، بل أصبح عبئًا على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
كل تدخل ملكي لتصحيح قرارات حكومية فاشلة هو دليل على عجز الحكومة عن أداء دورها الأساسي.
وحين تفقد الحكومة صلاحيتها، فإن بقاءها لا يكون إلا استمرارا للعبث بمصير الوطن والمواطنين.
المغاربة لا يحتاجون إلى حكومة تكتفي بانتظار الحلول من المؤسسة الملكية، بل إلى حكومة تتحمل مسؤولياتها قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة.