عبد السلام المساوي
لم يكن الخطاب طويلا ، كان عميقا ، مباشرا ، دقيقا جراحيا ، دالا ، صريحا ، واضحا ، حازما ، قويا .
وكان خطاب تأكيد على ما لا يمل المغاربة من التأكيد عليه : ” لا يمكن أن نتفاوض على جزء منا ، لا يمكن أن نقبل اقتطاع شبر من ترابنا ، لا يمكن أن تكون صحراؤنا موضع أي تفاوض كيفما كان نوعه مع أي كان ” .
كنا متأكدين أننا سنسمعها بكل الوضوح الممكن على لسان عاهل البلاد باسم المغرب والمغاربة : لا تفريط في صحرائنا ، ولا التباس نقبله ولا غموض ممن نعتبرهم شركاء لنا ، ولا نظرة واحدة الى الخلف .
الهدف السير الى الأمام خطوات مغربية إضافية أخرى مع أصدقائنا الحقيقيين وشركائنا الفعليين لأجل بناء وتنمية هذا الوطن من أقصى شماله وشرقه وغربه حتى أقصى جنوبه وصحرائه ، صحراؤنا التي لا تفريط فيها ، والتي تعني لنا جميعا كل الأشياء …
الرسالة هنا تقول للجميع لقد حل زمن الفرز الديبلوماسي وأن المواقف الرمادية لبعض الدول والمنظمات تجاه قضية وحدتنا الترابية ، أصبحت غير مقبولة بالمرة ، ولن تخدم أي علاقة دبلوماسية أو اقتصادية ذات مصداقية ، لأن تساهل المغرب لسنوات مع المواقف الرمادية لبعض الشركاء التقليديين ساهم بشكل غير مباشر في تغذية أوهام الانفصال ، وبالتالي لا يمكن للمغرب أن يبني مستقبلا علاقات ومصالح الا مع من يؤمنون ويدافعون عن وحدتنا الترابية بالأقوال والأفعال ، أما موقف المتردد من صحرائنا وموقف الضعيف هو ترجمة لنظام متردد لن نتعامل معه .
فالذين يتهربون من الفرز في مواقفهم الدبلوماسية اتجاه قضية المغرب الأولى ، والذين يأخذون موقع الوسط في اللحظة التي تحتاج الى تحديد الموقف وإظهار الاصطفاف بين من مع وحدتنا الترابية أو ضدها فسيكونون الخاسرين في النهاية ، لأن المغرب لن يقبل من الان فصاعدا بموقف اللاموقف لأنه ذروة الانتهازية .
ان شراكة رابح – رابح لا تعني جني الأموال وأرقام المعاملات الضخمة من عمليات الاستثمار في الصحراء ، بل تعني أيضا ربحا سياسيا للمغرب ، حين تتضح المواقف ، ويعرف العالم أن ما يجري الأن في بعض الدواليب الصغيرة مجرد نزاع مفتعل من دول حاقدة .
لقد انتهى زمن الابتزاز الذي كان عملة رائجة في الصحراء المغربية ، حين كانت بعض الدول في أوربا على الخصوص ، تخير المغرب بين ” أنصاف المواقف ” ، وبين الاستثمار المتوحش ، دون قيد أو شرط في خيرات البر والبحر والجو .
لقد طوى المغرب قضية سيادته الكاملة على الصحراء المغربية الى غير رجعة ، ولا يمكن لأي شبر من التراب الوطني أن يكون مجالا للتفاوض والبيع والشراء مع أي طرف مهما كان : فاما أن تنخرط جميع الدول في هذا المنطق وتعبر عنه بوضوح كامل ، واما أن تتنحى جانبا الى موعد لاحق .
فمن زالت في قلبه ذرة شك في مغربية الصحراء ، التي تعتبر قضية ملك وشعب وتاريخ وشرعية دولية ، عليه أن يراجع أوراقه قبل أن يفكر في ربط الاتصال مع المغرب ، وهي رسالة موجهة بالأساس الى بعض دول الجوار في أوربا ، التي ما زالت تعيش على ذكريات الماضي ، رغم أن مياها كثيرة جرت تحت الجسور ، ولم تنتبه اليها مع الأسف .
الخطاب الملكي كان ” صارما وحازما ” بخصوص علاقات المملكة بمجموعة من الدول في تعاطيها مع قضية الوحدة الترابية للمملكة ، وبذلك شكل مرحلة جديدة في مسار القضية الوطنية الأولى ، كان واضحا بخصوص التوجه السياسي وتصريف السياسة الخارجية المغربية في بعدها الاقتصادي ، والتي أصبحت مشروطة بالقطع مع المواقف الغامضة فيما يخص وحدة المغرب الترابية .
فمن يريد الاصطفاف الى جانب المغرب ، عليه أن يبرهن على ذلك فعلا وقولا ، كما فعلت الولايات المتحدة التي أعلنت موقفا مشرفا ، وكما فعلت أكثر من 24 دولة عربية وافريقية فتحت تمثيليات دبلوماسية لها في العيون والداخلة .
أما من يريد الاصطفاف مع الأعداء ، فعليه أن يكون شجاعا للتعبير عن ذلك ، دون لف أو دوران ، في سياق دولي لم يعد يقبل بوضع رجل هنا وأخرى هناك .