بقلم: عبد القادر حبيب الله
بينما يُرفع شعار الإصلاح وتشبيب المؤسسات، تحول ديوان وزير شاب في حكومة عزيز أخنوش، يقود ثلاث قطاعات حكومية، إلى منصة لصناعة الطلبيات والصفقات في الخفاء.
مستشارون شباب لوزير شاب، يُفترض أن يكونوا صوتًا للإصلاح وتغييرًا إيجابيًا، أصبحوا أدوات لتمرير عقود وطلبيات وصفقات مريبة تُدار بعيدًا عن أعين الرقابة. هذه السلوكيات تطرح تساؤلات جدية حول نزاهة العمل الحكومي، وتضع الوزير الشاب أمام مسؤولية كبرى: هل يختار مواجهة الفساد أم يظل أسيرًا للعبة المصالح؟
في ظل غياب المحاسبة، يتحول ديوان الوزير الشاب إلى بيئة خصبة للفساد، حيث تُدار الطلبيات والصفقات خلف الأبواب المغلقة، ويتم تقاسم الكعكة بين قلة محظوظة تتلاعب بالمال العام. هؤلاء المستشارون، الذين كان يُفترض أن يقدموا الخبرة والنصيحة لصالح المصلحة العامة، انحرفوا عن مسارهم ليصبحوا جزءًا من شبكة تخدم مصالحها الذاتية، متجاوزين كل الخطوط الحمراء.
بعض أعضاء ديوان هذا الوزير الشاب، في حكومة عزيز أخنوش ضربوا مثالًا سيئًا لطبيعة هذه المهمة، التي يتمحور جوهرها حول تقديم الاستشارات الضرورية لأعضاء الحكومة. حيث استغل بعض هؤلاء مواقعهم داخل “الوزارة الشابة” ليصبحوا مقاولين بالمناولة عن شركات تفوز بالطلبيات والصفقات المعلنة من طرف القطاع الحكومي.
كما أن هناك من غادر هذه المناصب ليؤسس مقاولته الخاصة، التي تحصل هي الأخرى على نصيبها من الصفقات، إما عن طريق الطلبيات أو طلبات العروض، قبل أن يعودوا من جديد إلى الديوان لاتمام مهامهم “الاستشارية”.
ويعطي أعضاء ديوان الوزير الشاب، ومعظمهم من الشباب، مثالًا سيئًا عن هذه الفئة العمرية التي يُعوَّل عليها لتشبيب الحياة السياسية ومواقع التدبير، بسبب الجشع الذي أظهروه. حيث يسود تخوف داخل هذه “الوزارة الشابة”، التي يديرها وزير شاب، ويحيط به مستشارون شباب كان بعضهم ينتمي إلى حركة 20 فبراير، من أن تكون عمليات “البيع والشراء” التي يقومون بها مستغلين مواقعهم، تتم بمباركة المسؤول الحكومي الشاب أو بتدبير منه. خصوصًا أن أحد هؤلاء المستشارين ظهرت عليه علامات الثراء بعد مغادرته منصب المستشار، وأصبح من زبائن الوزارة في مجال صناعة “الكبسولات” والمحتويات الرقمية الخاصة بالقطاع الحكومي، قبل أن يعود من جديد إلى الديوان، ويُدير العملية بطرق مباشرة وغير مباشرة عبر أصدقائه.
إن ما يجري في هذه الوزارة يُعد خيانة صريحة لأمانة المسؤولية، وتواطؤًا مكشوفًا على مصلحة الوطن. المستشارون الذين يُفترض أن يكونوا درعًا لحماية المال العام تحولوا إلى سماسرة يقتاتون على فتات الطلبيات والصفقات. أما “الوزير الشاب” الذي يبارك هذه الممارسات أو يغض الطرف عنها، فهو شريك في جريمة اغتيال نزاهة المؤسسات الحكومية.
لا يمكن الحديث عن الإصلاح دون محاسبة حقيقية، ولا يمكن تحقيق التغيير بأيدٍ لا تؤمن إلا بمصالحها الشخصية. إذا استمر السكوت عن هذا النوع من “المستشارين” و”الوزراء”، فإننا ندفع نحو فقدان الثقة في المؤسسات وتطبيع الفساد وكأنه حق مكتسب. هذا الوضع يجب أن يُجتث من جذوره، وإلا فسنظل ندور في حلقة مفرغة من الشعارات الجوفاء والتبريرات السخيفة. فإما أن تكون هناك قرارات حاسمة وجريئة لكسر شوكة هذه اللوبيات، أو أن القطار سينحرف عن مساره.