خمس مداخل لفهم الحسم المغربي لملف الصحراء

علي الغنبوري

لفهم معنى تدخل الجيش المغربي لفتح معبر الكركرات على حركة العبور و تدفق البضائع ، و تخليصه من قبضة مرتزقة البوليساريو، و انعكاسته المؤثرة و الحاسمة على مسار قضية الصحراء المغربية ، يتوجب التركيز على الردود الهستيرية لجبهة البوليساريو و حالة الذهول التي اصابت قيادتها من هذه الخطوة المغربية الدقيقة و الناجحة .

فجبهة البوليساريو تعلم جيدا معنى قدرة الجيش المغربي على الاقتحام و على الحسم الميداني لاخر ورقة في يدها ، لحلحلة مسار ملف الصحراء ، عبر المناورات و الاستفزازات المتواصلة و فرض الامر الواقع ، و التمترس خلف غطاء المدنيين ، وقطع تواصل المغرب عن عمقه الافريقي ، لخنقه و دفعه الى تقديم التنازلات و الرضوخ لمخططاتها قصد اطالة عمر الصراع المفتعل .

ما قام به الجيش المغربي ، شكل صدمة حقيقية للبوليساريو و رعاتها ، كما كان تنبيها حقيقيا لكل الفاعلين الاقليميين بهذا الملف و في مقدمتهم الجزائر ، ان المغرب استكمل جاهزيته السياسية و العسكرية لحسم هذه القضية بشكل نهائي .

فالمتتبع الجيد لمسار هذه القضية و لوضعية البوليساريو داخلها ، يعلم ان الحبهة الانفصالية ، تعاني من حالة انسداد افق مهولة ، يجعلها في ازمة مفتوحة ، اتجاه اتباعها و انصارها و المغرر بهم اولا و اتجاه رعاتها ثانيا، الذين بدؤوا يدركون استحالة تحقق اهدافهم بالمنطقة .

هذه الازمة التي تعاني منها جبهة البوليساريو لم تعد اليوم خافية على احد، فهي تعيش حالة غليان مستمر داخل اروقتها و تنظيماتها و هياكلها ، ترجمت الى عدد من الحركات الانشقاقية التي باتت تشكك بشكل قوي في جدوى التنظيم الانفصالي و تطرح بدائل اخرى اكثر واقعية و جدية ، بالاضافة الى الانتفاضات المتعددة التي تقوم بها ساكنة المخيمات التي اصبحت مقتنعة اليوم بزيف و كذب وعود الجبهة التي طال امدها .

ازمة البوليساريو و وضعيتها لم تكن بعيدة عن اعين التخطيط الاستراتيجي المغربي لحسم القضية، وتغيير قواعد اللعبة سياسيا و عسكريا ، من خلال تبني سياسة واقعية و شاملة ، مكنته من تحديد نقط الضعف التي اعترت مسار مقاربته للملف ، و تعزيز قدراته و تصحيح الاختلالات التي شابت تدبيره لهذه القضية فيما سبق .

التفوق العسكري المغربي

من المؤكد ان بناء المغرب للجدار الامني بالصحراء ، مكنه من قلب المعادلة العسكرية داخل المنطقة و انهى اي حلم لدى البوليساريو بحسم الصراع عسكريا ، لكن المغرب كان يدرك جيدا ان الصراع مع البوليساريو ما هو الا واجهة للصراع الحقيقي مع الجزائر الطامعة في الصحراء ، لذا فالمغرب اقتنع ان التغير الكلي لاوراق هذه القضية لن يتأتى الى عبر بناء جيش عصري متقدم من ناحية العتاد و التكوين العسكري ، قادر على مجابهة كل التحديات المطروحة على المنطقة و على وحدته الترابية .

صعود محمد السادس للحكم شكل نقطة تحول مصيرية في هذا الاتجاه ، حيث اعلن الملك منذ بداية حكمه على توجهه الصريح نحو تحديث الجيش المغربي و تمكينه من اجود و احسن الاسلحة، الفعالة و الحاسمة ميدانيا و عسكريا ، حيث تابع الكل التطور الهائل الذي عرفه الجيش المغربي بكل تشكيلاته و فروعه ، من خلال نوعية الصفقات و الشراكات العسكرية التي ارساها و ابرمها مع عدد من القوى العالمية ، ما مكنه من تطوير قدراته القتالية و اللوجيستيكية و الاستخباراتية ، و من بناء منظومة عسكرية قوية قادرة على التحرك السلس و الفعال و على ضمان التفوق العسكري الاستراتيجي بالمنطقة .

تجاوز منطق الكرسي الفارغ

توجه المغرب الجديد ، و مقاربته المبنية على المعالجة الشاملة لملف الصحراء ، ستدفع به الى الاقتناع بضرورة التواجد الفعلي في كل المنتظمات الدولية و الاقليمية للدفاع عن قضيته الوطنية العادلة، و عدم ترك الفرصة و الحرية لخصومه بكسب اي مواقع لترويج اطروحتهم الوهمية .

و تابعنا كيف تمكن المغرب من اقتحام القلاع الحصينة للبوليساريو و الجزائر في امريكا اللاتينية و اسيا ، و كيف استطاع اقناع عدد كبير من دول هذه المناطق بقضيته و بطرحه الواقعي و العادل ،و تابعنا كذلك العودة القوية الى الاتحاد الافريقي و العمل الكبير الذي يقوم به داخل اروقة هذه المنظمة القارية ، و تمكنه من ربح عدد من النقاط الهامة فيما يخص قضيته الوطنية .

مقترح الحكم الذاتي

ذكاء الاستراتيجية و المقاربة المغربية فيما يخص الصحراء ، و انسداد افق تقرير المصير و تحوله الى معطى غير قابل للتحقق ، سيدفع المغرب الى طرح مبادرة متكاملة و واقعية و موضوعية تستحضر وحدة اراضيه و تفتح مسارا جديدا في القضية ، مكنته من ارباك خصومه و من انتزاع مساندة المنتظم الدولي .

طرح المغرب لمقترح الحكم الذاتي ، شكل منعطفا جديدا في قضية الصحراء ، حيث اصبح ارضية صلبة و موضوعية لكل القرارات الاممية ، التي رأت فيه توجها حقيقيا و جادا لانهاء الصراع ، كما مكن المغرب من طرح نفسه كشريك ملتزم و مسؤول يسعى الى البحث عن حل واقعي لملف الصحراء .

نجاح المقترح المغربي ، سيتجسد في كل القرارات الاممية ، التي دأبت على التنصيص عليه و الاشادة به ، كما دفع هذا المقترح الى تغيير اللغة السياسية للقرات الاممية التي اصبحت تنحو نحو الدعوة الى حل سياسي متوافق عليه للصراع بدل الدفع بطرح الاستفتاء و تقرير المصير ، الذي تأكد للكل استحالة تنظيمه .

تنمية الصحراء

ايمان المغرب بعدالة قضيته و بمغربية الصحراء ، دفعته الى مضاعفة مجهوداته لتنمية اقاليمه الصحراوية بما يتناسب مع يعرفه معظم ترابه الوطني من حركية اقتصادية قوية ، غيرت بشكل كلي معالم المنطقة ، التي اصبحت تتوفر على كل مقومات النجاح و العيش المتطور ، من بنية تحتية و ووحدات صناعية و بنية سياحية …

استثمار المغرب في الصحراء ، مكنه من كسب ثقة الدول العظمى ، كدولة تسعى الى فرض الاستقرار بالمنطقة و محاربة و تجفيف منابع كل اشكال و سبل التطرف و الارهاب التي تنتشر بشكل واسع في دول الجوار ، مما عزز من مصداقية طرحه و دفع هذه القوى الى ابرام اتفاقيات اقتصادية كبرى تشمل بدون ادنى تحفظ اراضيه الصحراوية ، في اشارة واضحة للتأيد الكبير الذي تحظى به القضية الوطنية دوليا .

الدبلوماسية الفعالة

وضوح موقف المغرب من قضية الصحراء ، سيدفعه الى تبني سياسة دبلوماسية واقعية و عملية ، مبنية على جعل القضية الوطنية اولوية ضمن استراتيجيته الدبلوماسية ، من خلال بسط الحقائق التاريخية و الميدانية و الدفع نحو تأكيد شرعية موقفه .

هذا التوجه الدبلوماسي الجديد ، جعل المغرب يتمكن من اقناع عدد من الدول ليس فقط بسحب اعترافها بجمهورية البوليساريو الوهمية ، بل دفعها الى الانخراط الكلي في التأكيد على مغربية الصحراء ، من خلال فتح تمثيلياتها الدبلوماسية بالاقاليم الجنوبية للمغرب.

توجه المغرب الدبلوماسي الجديد ، لم يعد مبني على ردود الافعال و المواقف القطعية ، بل اصبح يقوم على مقاربة واقعية تدفع نحو الاقناع و التواصل المستمر ، و البحث عن نقاط الالتقاء المفضية الى الشراكة الجدية و الموضعية ، التي تؤدي الى الاقتناع بمراجعة المواقف و تصحيحها .

تبني المغرب لاستراتيجية شاملة و متكاملة فيما يخص قضيته الوطنية ، عمق ازمة الطرح الانفصالي و دفعه نحو مزيد من العزلة على الارض و على مستوى شرعية الاستمرار ، بل دفع نحو الحسم النهائي للقضية لصالحه ، من خلال اقتناع المنتظم الدولي باستحالة تشجيع الانفصال و نشوء دويلة وهمية في منطقة تواجه العديد من المخاطر و التهديدات للسلم العالمي .

هذا النجاح الباهر للمغرب و القدرة على حسم الملف ، هو ما دفع البوليساريو اليوم بمعية شركائها ، الى القيام بمحاولة ارجاع الامور الى المربع الاول ، من خلال استغلال وضعية معبر الكركرات كورقة ضغط على المغرب و المنتظم الدولي، فالبوليساريو تعلم اليوم ان وجودها اصبح يعتريه الشك و لم تعد قادرة على ضمان استمرارها ، و لم تعد قادرة كذلك على الاستمرار في تظليل الصحراويين ، و تعلم جيدا ان لا حل لها في الافق ، و الان المغرب يمتلك كل اوراق الملف التي تمكنه من حسم القضية لصالحه .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *