ديمقراطية في مفترق الطرق.. استحقاقات انتخابية تهددها أزمة ثقة غير مسبوقة!

هاشتاغ _ طارق العيمالي

تكتسي مداخلة كريم تاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، خلال ندوة شبيبة العدالة والتنمية، أهمية خاصة ليس فقط من حيث مضمونها النقدي، بل أساساً من حيث السياق السياسي الذي تأتي فيه. فقد جاء تصريحاته بشأن تكليف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بالإشراف على الانتخابات التشريعية المقبلة كتشخيص لمعادلة دقيقة تعيشها الحياة السياسية المغربية: أزمة المصداقية مقابل رهان الديمقراطية.

وهكذا، يمكن اعتبار موقف تاج مؤشراً على تحوّل نوعي في الخطاب السياسي الحزبي. فقد أكد بوضوح أن حضور رئيس الحكومة لافتتاح المشاورات الانتخابية كان سيشكل “إشارة سلبية”، وهو تصريح يعكس فقدان الثقة في قدرة هذه المؤسسة التنفيذية على لعب دور الوسيط النزيه بين الدولة والأحزاب. في المقابل، يشير الترحيب بتكليف وزير الداخلية إلى بحث الفاعلين السياسيين عن ضمانات أكبر لإعادة التوازن للمسار الانتخابي، حتى وإن كان ذلك عبر جهاز إداري تقليدياً ما كان يُنظر إليه باعتباره خصماً للعمل الحزبي.

إن هذا التناقض الظاهري يُبرز بجلاء عمق أزمة المصداقية التي طالت المؤسسات السياسية المنتخبة. فالمشكل، كما أشار تاج، لا يتعلق فقط بآليات تنظيم الانتخابات، بل بالبيئة السياسية التي تُجرى فيها. الديمقراطية الحقيقية لا تُختزل في الصناديق، بل تحتاج إلى مقومات موضوعية: استقلالية الأحزاب، تكافؤ المنافسة، قوة المؤسسات التشريعية والرقابية، وضمان حرية النقاش العمومي. دون هذه الشروط، تصبح الانتخابات مجرد واجهة شكلية، وهو ما يجعلها عاجزة عن مقاومة أي اختبار جدي.

تحليل هذه المداخلة يفرض علينا قراءة مزدوجة: أولاً، على المستوى المؤسساتي، يطرح كلام تاج سؤالاً مركزياً حول حدود أدوار الحكومة في ظل تراجع شرعيتها السياسية، مقابل تعزيز أدوار مؤسسات الدولة الأخرى، بما فيها وزارة الداخلية. وثانياً، على المستوى البنيوي، يدفعنا إلى التفكير في الديمقراطية المغربية باعتبارها مشروعاً غير مكتمل، يحتاج إلى إصلاحات أعمق من مجرد تنظيم دورات انتخابية منتظمة.

إن الرسالة الأكاديمية التي يمكن استخلاصها من موقف كريم تاج هي أن المعركة الحقيقية ليست في تحديد من يشرف على الانتخابات، بل في توفير شروط ديمقراطية حقيقية تُعيد الثقة للمواطن في أن صوته له قيمة وتأثير. إن الديمقراطية، كما يذكّرنا علم السياسة، ليست حدثاً انتخابياً عابراً، بل عملية تراكمية تقوم على مؤسسات قوية، أحزاب مستقلة، ومجتمع مدني يقظ، وإعلام حر.

من هنا، فإن انتخابات 2026 لن تكون مجرد موعد سياسي جديد، بل اختباراً لمصداقية المشروع الديمقراطي برمّته. فإذا استمرت الأزمة البنيوية ذاتها، فإن النتائج، مهما كانت نسب المشاركة أو الترتيبات الشكلية، ستظل عاجزة عن إقناع المواطن المغربي بأن مسار الاختيار الديمقراطي يسير في اتجاه الترسخ، لا في اتجاه الانكماش.