د. مصطفى بونجة: محامي بهيئة طنجة و رئيس المركز المغربي للتحكيم و منازعات الأعمال.
يثير موضوع إمكانية تكوين أصل تجاري على الملك العام الكثير من الإشكالات القانونية ، و يقحمنا داخل شبكة معقدة من المفاهيم ، من قبيل الحق في الكراء و عقد الكراء و الملك العام و الملك الخاص و الاحتلال المؤقت و الحق الشخصي و الحق العيني ، هاته المفاهيم التي تتداخل فيما بينها وتنشطر في حالات أخرى ، و توصل الباحث في الكثير من الأحوال و الحالات إلى سوء الفهم و الانصياع و التسليم بالأحكام المسبقة.
فالجمع بين الأصل التجاري و الملك العام ، هو جمع بين ملكية خاصة و ملكية عامة ، و بالتالي فهو جمع بين أحكام ملكية الأصل التجاري باعتبارها مرتكزا أساسيا من مرتكزات القانون التجاري و ما تحمله نظرية الأصل التجاري من أبعاد تاريخية ، وكذلك وفق ما هو منصوص عليها بمدونة التجارة من جهة ، و بين ما هو محدد في نظريات و أحكام الملك العام و تأصيله الدستوري و القانوني و امتداداته التاريخية من جهة ثانية.
فالأصل التجاري بالمغرب بالرغم من كونه منظم بموجب قانون حديث و الذي هو مدونة التجارة لسنة 1996 ، إلا أن الأصل التجاري ليس وليد مدونة التجارة ، بل أن نظرية الأصل التجاري عرفت ميلادها في كنف القانون التجاري الفرنسي و تم تبنيها بالمغرب بموجب ظهير 1914، كما أنه وفيما يتعلق بالملك العام بالمغرب و الذي تحكمه ترسانة تستمد وجودها من نظريات القانون الإداري الفرنسي وتشريعات تعود كلها لفترة ما قبل الاستقلال.
و لعل هذه الخلفيات تصل بنا إلى حقيقة التشابه الكبير- إن لم نقل التطابق – بين التأطير النظري و القانوني للملك العام و الأصل التجاري و العلاقة بينهما بفرنسا و المغرب.
و إذا كان التسليم بعدم إمكانية تأسيس أصل تجاري على الأملاك العامة يعتبر إلى عهد غير بعيد من اليقينيات و المسلمات ، فان إخضاع العلاقة بين الأصل التجاري و الملك العام للتحليل ، يفضي بنا إلى التشكيك في المسلمات و اليقينيات و هدم جميع علل رفض إمكانية تأسيس أصل تجاري على الملك العام ، هذا التشكيك الذي يعززه التطور التشريعي الأخير بفرنسا و المقر بإمكانية تأسيس أصل تجاري على الأملاك العامة.
و لملامسة هذا الموضوع الشائك، سنسلط الضوء على التأطير القانوني للأملاك العامة بالمغرب و التطورات الأخيرة لتنظيم الأملاك العامة بفرنسا (المحور الأول)، فيما سنتناول تحديد العلاقة بين الملك العام و الأصل التجاري في (المحور الثاني).
المحور الأول : النظام القانوني للأملاك العامة بالمغرب و التطورات الأخيرة لتنظيم الأملاك العامة بفرنسا.
ان الحديث عن الأملاك العامة بالمغرب هو في حقيقته حديث عن إطار قانوني يعود كله لفترة ما قبل استقلال المغرب و نسخ للتشريع الفرنسي المطبق على الأملاك العامة بفرنسا.
و هذا التنظيم يتميز بتعدد نصوصه وعدم اعتماد معيار قانوني واضح للتمييز بين الملك العام من جهة و الملك الخاص للأشخاص العامة من جهة أخرى ، ومن جانب أخر ، فان الحديث عن الملك العام لا يمكن اختزاله في أملاك الدولة سواء الخاصة أو العامة ، بل أنه يجب التمييز بين أملاك الدولة و المؤسسات العامة و الأشخاص الترابية.
أولا : قدم و تشتت النصوص التشريعية المنظمة للأملاك العامة بالمغرب
إن الحديث عن الأملاك العامة يحيلنا على ضرورة التمييز بين الملك العام و الملك الخاص من جهة ، وبين الملك العام و الملك الخاص للجماعات الترابية من جهة أخرى.
1- الملك العام للدولة و الجماعات الترابية :
ان المقصود بالملك العام، هوالأملاك التي تمتلكها الدولة أو الجماعات الترابية ملكية قانونية تامة ومخصصة إما لاستعمال العموم أو لتسيير المرفق العام ، فالأملاك العامة للدولة و الجماعات الترابية تخضع لمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 الموافق فاتح يوليوز 1914 في شأن الأملاك العمومية بالآلية الشريفة كما وقع تغييره وتتميمه،والظهير الشريف الصادر في 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالأملاك البلدية ،و الظهير الشريف الصادر 30 نونبر 1918 المتعلق بإشغال الأملاك العمومية مؤقتا، والظهير الشريف الصادر 14 نونبر 1949 المتعلق بمنح بعض الرخص في الاحتلال الملك العمومي البلدي، الظهير الشريف الصادر 28 يونيو 1954 بشأن الأملاك التي تملكها الفئات المزودة بجماعات إدارية (الجماعات القروية).
و انطلاقا من مقتضيات الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز 1914 ، فان الاملاك العامة هي كل الاملاك التي لا يسوغ لأحد أن ينفرد بتملكها ، لأنها مملوكة على الشياع بين الجميع ، كما تعتبر بصفة خاصة أملاكا عمومية كل من الشواطئ ، الآبار، الخلجان ، البحيرات ، المنارات ، الطرق والأزقة ،السدود ،الموانئ والمطارات المراسي، مجاري المياه.
و تأسيسا على هذا التعريف للملك العام ، فان الأملاك العامة تمتاز بعدم القابلية للتفويت و عدم القابلية للحجز وعدم القابلية للاكتساب بالحيازة.
2- الاحتلال المؤقت للملك العام بين القرار و العقد الإداري :
يعتبر الاحتلال المؤقت وجه المدخل للاستغلال الاستثنائي للملك العام،و الذي بموجبه يسمح لشخص ذاتي او معنوي، بالاحتلال المؤقت لملك عام من اجل القيام بنشاط وذلك بمقابل.
و الاحتلال المؤقت يحدد إما بناء على القرار الجبائي أو تقدير لجنة التقويم ، كما أن الاحتلال المؤقت بواسطة قرار إداري عندما يتعلق الأمر بمسطرة الاحتلال المؤقت بإقامة بناء، ويكون بواسطة عقد إداري عندما يتعلق الأمر بمسطرة الاحتلال المؤقت بإقامة بناء.
و يخضع الاحتلال المؤقت لترسانة قانونية تتميز بالتعدد ، ذلك أنه خاضع للمقتضيات التالية :
• الظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 ( فاتح يوليوز 1914) بشأن الملك العام حسبما وقع تغييره وتتميمه.
• قرار مشترك لوزير الأشغال العمومية ووزير المالية والاستثمارات الخارجية رقم 69.97.24 بتاريخ 5 دجنبر 1996 المحدد لأسعار الأجرة عن الخدمات.
• قرار مشترك لوزير التجهيز رقم 368.02 بتاريخ 5 مارس 2002 بتفويض السلطة إلى ولاة الجهات.
• قرار مشترك لوزير الأشغال العمومية ووزير المالية والاستثمارات الخارجية بتاريخ 12 غشت 1997 بشأن تحديد الإتاوة المستحقة عن الاحتلال المؤقت للملك العام.
• الدورية المشتركة رقم 84 بتاريخ 8 يونيو 1995 لوزير الدولة ووزير الداخلية ووزير التجهيز حول تدبير الشواطئ والمحافظة من طرف الجماعات المحلية .
و فيما يتعلق بالاحتلال المؤقت بواسطة قرار أو عقد للأملاك الجماعات الترابية ، فان رخصة الاحتلال المؤقت تعتبر كذلك رخص غير دائمة و يمكن سحبها وفق الشكليات والشروط المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 30 نوفمبر 1918 المتعلق باحتلال الأملاك العمومية مؤقتا كما تم تغييره وتتميمه وظهير 14 نوفمبر 1949 المتعلق بمنح بعض الرخص في احتلال الملك العمومي البلدي ، كما أنه و زيادة على النصوص العامة المؤطرة للاحتلال المؤقت ، فالاحتلال المؤقت بواسطة قرار أو عقد للأملاك الجماعات الترابية ، مؤطر كذلك بموجب القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ، هذا القانون الذي يميز كذلك بين الاحتلال المؤقت للملك العمومي بإقامة بناء ، وبين الاحتلال المؤقت للملك العمومي بدون إقامة بناء و هي ما تسمى رخص الوقوف ، حيث لا تضيف رخصة احتلال الملك العام أي بناء على الملك العام و هي حالات الباعة بالأسواق العمومية و الباعة المتجولين وأرصفة المقاهي والمطاعم.
3 : الملك الخاص للدولة و الجماعات الترابية
أ- الملك الخاص للدولة :
يتكون الملك الخاص للدولة من مجموع الأملاك العقارية و كذا المنقولات العائدة ملكيتها للدولة و التي لا تدخل ضمن الملك العمومي و تنقسم إلى نوعين من الأملاك يخضع كل واحد منهما لنظام قانوني مستقل و يتعلق الأمر بـالملك خاص خاضع في تدبيره لوزارة الاقتصاد والمالية (مديرية أملاك الدولة) ، الملك خاص غابوي خاضع في تدبيره للمندوبية السامية للمياه والغابات و محاربة التصحر.
و يتميز الرصيد العقاري للدولة ( الملك الخاص ) بالتنوع حيث نجد :
• العقارات المبنية المخصصة للمرافق العمومية مثل البنايات الإدارية و المؤسسات التعليمية والتجهيزات الصحية.
• المساكن العائدة للدولة ( الملك الخاص ) و التي يستغل جزء منها موظفوا الإدارات العمومية
• عقارات عارية حضرية، شبه حضرية و قروية.
• المنقولات المتكونة من المعدات المتلاشية و الحطام البري و البحري و كذا المنقولات المسلمة من مختلف محاكم المملكة.
و يخضع الملك الخاص للدولة من حيث المبدأ لقواعد القانون المدني، لكونه قابل للتفويت و التصرف بشتى الطرق (بيع، كراء، معاوضة، تخصيص و غيرها) .
و فيما يتعلق بكراء أراضي الملك الخاص للدولة ، فان كراء الأراضي الفلاحية يختلف من حيث الإجراءات المسطرية ، على كراء الأراضي و العقارات المعدة للاستثمار التجاري و الصناعي.
ففيما يتعلق بكراء الأراضي الفلاحية ، فيتم كراء الأراضي العائدة للدولة (الملك الخاص) عن طريق مسطرة طلب عروض الأثمان بعد نشر الإعلان عن الكراء و فتح الأظرفة من أجل دراسة المشاريع الاستثمارية من طرف لجنة وزارية مشتركة ، كما يتم تتبع الإنجازات المضمنة بدفتر التحملات من طرف لجنة وزارية مشتركة وفي حالة عدم إنجاز المشروع مع احترام الآجال ، يمكن للجنة أن تعمل على فسخ الكراء.
وفيما يتعلق بأداء مبلغ الكراء، يؤدي الشخص الذي رسا عليه المزاد مبلغ الكراء عن السنة الأولى لدى القابض، فيما سيتم تحميله بشكل سنوي عن باقي مدة الكراء .
أما فيما يتعلق بكراء الاراضي و العقارات المعدة للاستثمار التجاري و الصناعي، فان المستثمريقوم بإيداع ملفه لدى المركز الجهوي للاستثمار، الذي يقوم بدراسة المشروع و يبدي رأيه في الموضوع. و يقف المركز المذكور أيضا على مختلف مكونات المشروع ، وفي حالة الموافقة على الكراء، يتم تحديد الوجيبة الكرائية من طرف لجنة إدارية و يتم أداء الوجيبة الكرائية بحسب تسديد مبلغ كراء السنة الأولى داخل أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ توصله بالإشعار بالأداء لدى القابض، فيما سيتم تحميله بشكل سنوي عن باقي مدة الكراء.
ومن حيث إعداد عقد الكراء، فيملك والي الجهة صلاحية الترخيص بإكراء أراضي الدولة (الملك الخاص) من أجل إنجاز مشاريع الاستثمار في قطاعات الصناعة و التصنيع الفلاحي و المعادن و السياحة و الصناعة التقليدية و السكن التي يقل مبلغها عن 200 مليون درهم، فيما يبقى الاختصاص للوزير المكلف بالمالية للترخيص بإكراء العقارات للاستثمار في الميادين أعلاه التي تعادل قيمتها أو تفوق 200 مليون درهم ، و في حالة عدم إنجاز المشروع مع احترام الآجال، يمكن للجنة المكلفة بتتبع الإنجاز أن تقرر فسخ عقد الكراء.
ب- الملك الخاص الجماعي :
تمتلك الجماعات الترابية أملاكا ملكية خاصة وغير مخصصة بأملاكها العامة ، و تتصرف فيها تصرف الأشخاص في ممتلكاتهم الخاصة، و يمكنها استعمالها واستغلالها والتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات القانونية.
ومن مميزات الملك الخاص، هو أن إدراجه ضمن الأملاك الخاصة لا يتطلب مبدئيا أي إجراء شكلي خلافا لما هو الشأن بالنسبة لترتيب الأملاك العامة. وخلافا للأملاك العامة، فإن الأملاك الخاصة يمكن أن تكون موضوع تفويت أو مبادلة أو كراء أو تخصيص. غير أن هذه العمليات تخضع لمجموعة من القواعد والمساطر الخاصة لحمايتها وضمان استعمالها لأغراض المصلحة العامة.
4- التمييز بين الملك العام و الملك الخاص :
بالرغم من اختلاف النظام القانوني للملك العام من جهة و الملك الخاص من جهة ثانية ، إلا أن هذا التمييز يكتنفه الكثير من الغموض .
و لقد عمل الفقه و القضاء على محاولة التخفيف من هذا اللبس بإعمال معيار التخصيص بالقانون ثارة ، وإعمال معيار التخصيص بالفعل ثارة أخرى .
فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم لها بأنه انه إذا كان المال العام هو ما تملكه الدولة و الأشخاص الاعتبارية العامة التابعة لها من عقارات و منقولات مخصصة بالفعل أو بمقتضى القانون للنفع العام و خدمة المصلحة العامة و تسيير المرفق العام.” ، في حين اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس ” بأن المقصود فقها و قضاء بالأموال العامة سواء كانت للدولة أو للجماعات أو المؤسسات العمومية ,هي تلك الوسائل المادية التي تستعين بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام و يشترط لاعتبارها أموالا عامة أن تكون مخصصة للمنفعة العامة بالفعل آو بمقتضى القانون من جهة أخرى, والتخصيص بالفعل معناه لرصد المال العام لاستعمال الجمهور مباشرة ,أما التخصيص بالقانون فهو متى ينص القانون على اعتبار مال معين من الأموال العامة”.
ثانيا : التطور الحديث التشريع المنظم للأملاك العامة بفرنسا
قبل تبني المشرع الفرنسي للمدونة العامة للأملاك العامة سنة 2006 ، كان النقاش يتمحور حول مدى إمكانية تملك الأشخاص العامة ، هذا النقاش الفقهي الذي حسمه المجلس الدستوري الفرنسي سنة 1986 و اعتبر بأن مقتضيات إعلان حقوق الإنسان لسنة 1789 التي أقرت بحق الملكية لا تتعلق بالملكية الخاصة و الخواص فقط ، بل أن هذا الحق يمتد حتى إلى الأشخاص العامة ، كما أن النقاش كان يتمحور كذلك قبل المشرع الفرنسي للمدونة العامة للأملاك العامة سنة 2006 ، حول معايير تمييز الملك العام عن الملك الخاص للدولة و الأشخاص العامة ، غير أن هذه المدونة حددت معايير الملك العامة للأشخاص العامة و كذلك الملك الخاص للأشخاص العامة بمفهوم مخالفة مدلول الملك العام كما أنها حددت مدلول المنفعة العامة ، هذا المدلول الذي له أهمية بالغة للتمييز بين الملك العام و الملك الخاص للأشخاص العامة.
المحور الثاني : تحديد العلاقة بين الملك العام و الأصل التجاري
لتحديد العلاقة بين الملك العام و الأصل التجاري ، يجب تحديد العلاقة بين الحق في الكراء و الملك العام من جهة ، و من جهة أخرى ، العلاقة بين الحق في الكراء باعتباره عنصرا من عناصر الأصل التجاري من جهة و بين الأصل التجاري هذا الأخير الذي لا يتوقف على وجود عنصر الحق في الكراء ، لنصل في الأخير إلى تحديد العلاقة بين الملك العام و الأصل التجاري .
أولا : تحديد العلاقة بين الحق في الكراء و الاصل التجاري و الملك العام
1- ارتباط نشأة الحق في الكراء بضرورة وجود عقد الكراء التجاري:
– انطلاقا من مقتضيات القانون رقم 49.16، فعقد الكراء التجاري ليس إلا شرطا من شروط نشأة الحق في الكراء ، متى استجمع شروطه، كما أن كراء المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي في غياب الشروط المحددة بموجب القانون 49.16، لا يولد عنه الحق في الكراء، فميلاد الحق في الكراء يدور وجودا و عدما مع استجماعه لعدة شروط ، ومتى نشأ هذا الحق ، فأنه يولد ملكية تجارية ترتب حقوقا والتزامات لمالكها ، وكذلك حقوقا و التزامات لمالك الرقبة الحاضنة للملكية التجارية، وكذلك حقوقا و التزامات للاغيار ، و ذلك كله خلافا للأثر النسبي للعقود.
– أما على مستوى الحماية القانونية للحق في الكراء التجاري ، فقد جاء القانون 49.16 متجاوزا للمعادلة التقليدية في نظرية العقد ، ومحاولا توفير حماية للحق في الكراء، حتى من طرفي عقد الكراء، فالحق في الكراء باعتباره عنصرا من عناصر الاصل التجاري ، محمي من تعسف مكري المحل الحاضن له، ذلك أن مسطرة و أسباب إنهاء عقد الكراء مؤطرة بقواعد أمرة بعيدة كل البعد عن نظرية العقد شريعة المتعاقدين، ومن جهة أخرى، فالحق في الكراء محمي من تقاعس مكتري المحل الحاضن له، ذلك أنه بالرغم من خطورة الحالات المنصوص عليها في المادة 8 من القانون رقم 49.16 ، نجد أن هذا القانون يخرج عن القواعد العامة، سواء في تحديده لمفهوم المطل ، أو في منح مالك الحق في الكراء إمكانية التراجع عن ما قام به من أخلالات.
2- عدم اكتساب الحق في الكراء على الملك العام :
كان ظهير 1955 ينص في فصله الثاني ، على أن مقتضياته تطبق على عقود الكراء التي تتعلق بالاملاك أو الاماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف والتي أبرمت مع الدولة أو الجماعات العمومية أو المؤسسات العمومية في شأن أملاك أو اماكن أعدت لمصالح وجدها الحال تستغل بمشاركة الدولة اما وقت ابرام عقدة الكراء واما قبله ، كما أنه وان وقع خلال مدة العقدة تخصيص تلك العقارات أو الاماكن بالمصالح المذكورة وكان هذا التخصيص قد حقق بعد نشر هذا الظهير فان تطبيق المقتضيات المبينة أعلاه تكون مرتهنة بالموافقة الكتابية للملاك المعنى بالأمر.
في حين أن الفصل 40 من ظهير 1955، كان ينص على أنه لا تطبق مقتضيات هذا الظهير على العقود المبرمة بشأن الاملاك أو الاماكن التابعة الى الاملاك الخاصة بالدولة الشريفة أو بأشخاص آخرين أو بالجماعات العمومية ان كانت تلك الاملاك أو الاماكن مخصصة بمصلحة عمومية أو كانت عقود كرائها تحوى بندا يستثنيها استثناء صريحا من استعمالها لشؤون تجارية أو صناعية أو مهنية ، ومهما يكن من أمر فان مقتضيات هذا الظهير لا تطبق على العقود المبرمة قبل تاريخ نشره والمتعلقة بأملاك أو أماكن اقتنيت قبل ذلك عن طريق نزع الملكية.
و في سياق مشابه، جاء القانون 49.16 معتبرا في مادته الأولى، بأنه تخضع لمقتضياته عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، مع مراعاة الاستثناء الوارد في البند الثاني من المادة الثانية، هذا البند الذي نص على أنه لا تخضع لمقتضيات هذا القانون ، عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو في ملك الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية حينما تكون تلك الأملاك مرصودة لمنفعة عامة ، كما أنه لا تخضع لمقتضيات هذا القانون عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية.
3 : عدم توقف وجود الأصل التجاري على وجود عنصر الحق في الكراء
طبقا لمقتضيات المادة 79 من م ت ، فان الأصل التجاري مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية ، كما أنه و طبقا لمقتضيات المادة 80 من مدونة التجارة ، فان العناصر الضرورية للقول بوجود أصل تجاري من عدمه تتحدد لزوما في عنصري الزبناء والسمعة تجارية.
و بالإضافة الى العنصرين الضرورين و اللازمين لوجود الأصل التجاري ، فان هذا الأخير يمكن أن يشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل كالاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والبضائع والمعدات والأدوات وبراءات الاختراع والرخص وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية وبصفة عامة كل حقوق الملكية الصناعية أو الأدبية أو الفنية الملحقة بالأصل.
وبحكم أن الحق في الكراء يعتبر عنصرا ثانويا من مكونات الأصل التجاري و مستقلا عنه ، فانه يتصور وجود أصل تجاري دون الحق في الكراء ، وأبرز هذه الحالات هي الحالة التي نكون فيها أمام اتحاد ملكية الرقبة و الأصل التجاري .
غير أن عنصر الحق في الكراء و لو أنه ليس عنصرا إلزاميا لتكوين الأصل التجاري ، فانه يتحول الى محدد جوهري ، في حالة تكوين أصل تجاري بمحل يتحدد وجه مدخل مستغله بموجب عقد كراء تجاري .
فاذا كان الاصل التجاري يقوم لزوما على وجود عنصري الزبناء و السمعة التجارية فقط، فالحق في الكراء يقوم لزوما على وجود عقد الكراء التجاري وفق المحددات و الشروط المنصوص عليها في القانون 49.16، مما يفضي بنا الى التسليم باستقلال الحق في الكراء عن باقي مكونات الاصل التجاري، وما يترتب عن ذلك من امكانية تفويت الحق في الكراء بشكل مستقل عن الاصل التجاري ، أو تفويت الاصل التجاري برمته بما في ذلك الحق في الكراء ، و هذا مانصت عليه الفقرة الأولى من المادة 25 من القانون 49.16 ، والتي جاء بها ” يحق للمكتري تفويت حق الكراء مع بقية عناصر الأصل التجاري أو مستقلا عنها دون ضرورة الحصول على موافقة المكري، وبالرغم من كـل شرط مخالف.”
ثانيا : تحديد العلاقة بين الملك العام و الأصل التجاري
1- الأصل التجاري المكون على الملك العام دون وجود الحق في الكراء
إذا كان استغلال التاجر للأصل التجاري لا يتصور إلا عن طريق الاحتلال المؤقت دون إمكانية إبرام عقد كراء تجاري، فان محكمة النقض الفرنسية استقرت على اعتبار أن الأصل التجاري يمكن ان يوجد دون وجود الحق في الكراء مادام أن الحق في الكراء ليس عنصرا إلزاميا للقول بوجود الأصل التجاري من عدمه، أما مجلس الدولة الفرنسي، فان جميع قراراته تواترت على رفض فكرة قيام أصل تجاري على الملك العام مستندة في ذلك على كون رخصة الاحتلال المؤقت تتصف بالوقتية و إمكانية التراجع عنها و كذلك طابعها الشخصي، وبالتالي استبعاد إمكانية ابرم عقد كراء تجاري على الملك العام.
2- الأصل التجاري بين مفهوم المرتفقين و الزبناء :
إذا كانت محكمة النقض الفرنسية قد أقرت منذ سنة 1965 بإمكانية تكوين أصل تجاري على الملك العام متى تبت قيام عنصر الزبناء الخاصين بالأصل التجاري ، و استمرت على نفس النهج في جميع قراراتها ، وأنه لا يتصور وجود اصل تجاري الا بعد توفر عنصر الزبناء و بمفهوم المخالفة ، فانه فمتى تبث وجود عنصر الزبناء ، فإننا نكون أمام وجود أصل تجاري.
وبغض النظر عن الشروط اللازم توفرها للقول بوجود عنصر الزبناء من عدمه ، فأنه و أمام فرضية تكوين أصل تجاري على الملك العام نتسائل حول وجود عنصر زبناء أو وجود عنصر مرتفقين ، وهو الشيء الذي ينقلنا الى من هذا الإشكال إلى مناقشة إشكالات أخرى مرتبطة بمستقبل مفهوم المرفق العام.
فإذا كان عنصر الزبناء مرتبط و متفرع عن نظرية الأصل التجاري ، ففي المقابل من ذلك فان عنصر المرتفقين مرتبط بالمرفق العام ، أو المرفق المعد للجمهور .
3- ضرورة الإقرار التشريعي بإمكانية قيام أصل تجاري على الملك العام :
بالرغم من وود جميع قرائن إمكانية تكوين أصل تجاري على الملك العام المملوك للأشخاص العامة ، فان الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي واضح وصريح يحمي مالك الأصل التجاري و يحمي في الوقت ذاته الأملاك العامة ، فإذا كان هاجس حماية الأملاك العامة و تحصينها واجب و مطلب ملح ، فان الأصل التجاري إطار لخلق الثروة والتشغيل وتثمين المقاولات بالمغرب.
فرجوعا إلى التجربة الفرنسية في هذا الموضوع ، فلقد شكلت مدى إمكانية قيام أصل تجاري على الأملاك العامة نقاشات فقهية و تضاربا حادا في العمل القضائي، وذلك الى حين صدور القانون المتعلق بالصناعة التقليدية و التجارة و المقاولات الصغرى سنة 2014 و هو القانون المعروف بقانون بينيل.
فقانون بينيل لم يجز إمكانية إبرام عقد كراء تجاري على الملك العام، و بالتالي لم يقر بإمكانية اكتساب التاجر للملكية التجارية على الملك العام و ما يترتب عن ذلك من حقوق لفائدة التاجر ، فبموجب التدخل التشريعي سنة 2014 المتمثل في قانون بينيل ، الذي عدل بعد مقتضيات المدونة العامة للأملاك العامة ، حدد المشرع الفرنسي شروط و كيفيات قيام أصل تجاري على الملك العام وفق المعايير التالية :
– إمكانية قيام أصل تجاري دون وجود الحق في الكراء و بشرط وجود عنصر الزبناء الخالصين La clientèle propre :
نص قانون 18/6/2014 على انه يمكن استغلال أصل تجاري على الملك العام شريطة وجود عنصر الزبناء الخالصين ، فعنصر الزبناء حتى يكون موجودا و بالتالي حتى نكون أمام وجود أصل تجاري ، فانه لا يكفي القول بوجود عنصر الزبناء، بل أن هذا العنصر محكوم بشروط محددة في الاستقلال في تسيير الأصل التجاري ووجود زبناء مستقلين و غير مرتبطين بأصل تجاري أخر ، أو مرفق عام.
-عدم توقف الأصل التجاري على الحق في الكراء :
ان استغلال التاجر للأصل التجاري لا يتصور إلا عن طريق الاحتلال المؤقت دون إمكانية إبرام عقد كراء تجاري ، فقانون بينيل لم يجز إمكانية إبرام عقد كراء تجاري على الملك العام ، و بالتالي لم يقر بإمكانية اكتساب التاجر للملكية التجارية على الملك العام و ما يترتب عن ذلك من حقوق لفائدة التاجر.
-الحصول على رخصة الاحتلال المؤقت بشكل قبلي :
اذا كان امتلاك التاجر للحق في الكراء يعطيه الحق في تفويته ، فان عقد الاحتلال المؤقت لا يعطي هذا الحق للتاجر ، مما يكون معه مشتري الأصل التجاري مضطرا للحصول بشكلي قبلي على رخصة للاحتلال المؤقت و هي رخصة شخصية لا تنتقل مع بيع الأصل التجاري.
-حصر مكنة تكوين الأصل التجاري على الملك العام الاصطناعي دون الملك العام الطبيعي :
من المعلوم أن الملك العام ينقسم بين ملك عام طبيعي و ملك عام اصطناعي.
فإذا كان الملك العام الطبيعي هو الملك المكون طبيعيا دون تدخل بشري ، هذا الملك الذي يعتبر الملك العام البحري و الأنهار أهم تمظهراته ، فان الملك العام الاصطناعي هو ذلك الملك الذي يكون اما مخصصا لاستعمال المرتفقين ( الطرق الممرات …) أو مرصود لخدمة المرفق العام ( السكك الحديدية المطارات الموانئ ..).
-تقويم الأصل التجاري المكون على الملك العام :
بموجب قانون بينيل فان التاجر المرخص له بالاحتلال المؤقت له حق تقويم اصله التجاري في حالة التفويت و له حق التعويض عن إنهاء رخصة الاحتلال المؤقت هذا التعويض الذي يعادل التعويض عن إنهاء عقد الكراء التجاري دون التعويض عن الحق في الكراء لعدم وجوده مادام أننا أمام حالة احتلال مؤقت و ليس كراء تجاري .