رسالة التوفيق.. وثيقة تكشف عمق أزمة الزاوية البودشيشية

في خضم الخلافات التي تعصف بالزاوية البودشيشية بعد وفاة شيخها جمال الدين، خرجت إلى العلن رسالة قديمة تحمل توقيع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، موجهة إلى منير القادري. ورغم أن الرسالة تعود إلى أكتوبر 2022، إلا أن مضمونها يبدو اليوم كأنه كتب خصيصاً للحظة الراهنة.

الرسالة لا تخفي قلق صاحبها من انزلاق الطريقة نحو منطق “العائلة” بدل أن تبقى مؤسسة روحية قائمة على الذكر والصحبة، وهو ما اعتبره التوفيق خطراً حقيقياً قد ينسف إرثاً صوفياً راكمه الشيوخ لعقود. والأخطر أن الرسالة تلمح إلى ممارسات ملتبسة تضر بسمعة الزاوية، من قبيل السعي وراء “المروحنين” و”قطع الطريق”، بما يحول التصوف من فضاء للتزكية إلى مجال للتشويش.

لكن ما يجعل الوثيقة مثيرة هو الربط المباشر بين استقرار الزاوية وبين مقام الملك باعتباره “إمام البلد”. فالتوفيق ذكّر بوضوح أن أي اهتزاز داخل الطريقة ينعكس على صورة المغرب الروحية، وأن حماية التصوف تعني في العمق حماية الملكية كضامن للوحدة والاستقرار.

اليوم، بعد أن انفجرت الخلافات العائلية وأصبحت الزاوية على صفيح ساخن، تعود الرسالة لتطرح سؤالاً كبيراً: هل يستوعب قادة الزاوية أن مكانتها ليست شأناً داخلياً محدود الأفق، بل جزء من رصيد وطني؟ وهل يدركون أن التواضع والانضباط وحدهما كفيلان بإنقاذها من التصدع؟

وهكذا، فإن الرسالة في جوهرها لم تكن نصيحة، بل تحذيراً استباقياً مفاده إمّا أن تُحافظ الزاوية على سمتها الروحي، أو تخسر رصيدها التاريخي وتتحول إلى صراع عائلي يختزلها في نزاع حول لقب “الشيخ”.