في وقت تُعد فيه الرياضة المدرسية أحد أركان التربية الأساسية لتطوير مواهب التلاميذ وصقل مهاراتهم، يبدو أن هذا الهدف النبيل قد بات بعيد المنال، إذ أنه خلف الشعارات المرفوعة والتنظيم المعلن للبطولات الوطنية، تكشف كواليس صادمة عن فساد يضرب عمق هذا القطاع، حيث تُدار الأنشطة الرياضية لصالح تحقيق مكاسب شخصية للمسؤولين، في حين تُهدر أحلام التلاميذ ومستقبلهم التعليمي. فما بين تعويضات خيالية، ظروف إقامة متباينة، واستبعاد ممنهج للتلاميذ الأقل حظاً، تظهر صورة قاتمة لواقع الرياضة المدرسية الذي تحكمه المحاباة والمحسوبية.
المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (FNE) دعا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، إلى فتح تحقيق مستقل وعاجل، مع إرسال لجان مختصة لتدقيق الجوانب الإدارية والمالية لكل من مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية. وشدد المكتب في رسالته على ضرورة الإسراع بمعالجة ما وصفه بالاختلالات التي تشوب الإدارة والمالية في هذه المؤسسات.
وأوضح المكتب في رسالته أن برمجة عدد كبير من الأنشطة الرياضية، التي تصل إلى أكثر من 50 نشاطاً رياضياً في كل موسم، تشمل نحو 20 بطولة مدرسية وطنية، تمتد كل منها لثلاثة أيام على الأقل وتُجرى خارج فترات العطل المدرسية الرسمية، يؤدي إلى هدر الزمن المدرسي. وأشار إلى أن هذا الوضع يؤثر سلباً على المستوى التعليمي للتلاميذ المشاركين، حيث غالباً ما يحصلون على معدلات دراسية ضعيفة، إذ أن نفس التلاميذ يشاركون في معظم البطولات الوطنية.
وبيّن المكتب أن السبب الحقيقي وراء هذا الكم الكبير من البطولات المدرسية الوطنية، التي تُنظم في مختلف مناطق المغرب من طنجة إلى الداخلة، يعود إلى السعي للحصول على أكبر قدر ممكن من التعويضات المالية. ولفت إلى أن العاملين في مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية وأعضاء المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية يستفيدون من هذه التعويضات نتيجة حضورهم الدائم في جميع البطولات.
وأبرزت الرسالة أن أعضاء المكتب المديري يحصلون على تعويضات مضاعفة، حيث يتلقون تعويضات عن التنقل من الأكاديميات التي ينتمون إليها وأخرى من الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية. وأضافت أن مهام هؤلاء الموظفين خلال البطولات الوطنية تقتصر على أعمال بسيطة مثل تسليم البطاقات التعريفية للتلاميذ والمؤطرين وترتيب الميداليات على الطاولات خلال الحفل الختامي، وهي مهام يمكن أن تُوكل بسهولة إلى اللجان المحلية التابعة للمديرية التي تحتضن البطولة.
وأشار المكتب إلى وجود تفاوت كبير في ظروف الإقامة والتغذية بين المسؤولين والتلاميذ المشاركين، حيث تُخصص أجنحة فاخرة وغرف فردية لمسؤولي مديرية الارتقاء وأعضاء المكتب المديري، مع توفير تغذية عالية الجودة، بينما يُكدّس التلاميذ في غرف جماعية تضم من ستة إلى سبعة أسرّة، ويتم تقديم وجبات بالكاد تكفي لسد حاجاتهم الأساسية.
كما أكدت الرسالة أن عدد المسؤولين والمدعوين للحضور يتجاوز بكثير عدد التلاميذ المشاركين في البطولات، حيث يتم استدعاء أشخاص بدون أي مهام واضحة، يستفيدون من الإقامة والتغذية والتعويضات على حساب الجامعة. ودعا المكتب إلى مراجعة قوائم الفنادق للتأكد من هذه التجاوزات.
وتطرقت الرسالة أيضاً إلى استبعاد تلاميذ التعليم العمومي من المشاركة في بعض البطولات الوطنية، التي يتم تنظيمها لصالح تلاميذ التعليم الخصوصي فقط. وأشارت إلى أن هذه البطولات تُموَّل من اشتراكات مالية يدفعها تلاميذ التعليم العمومي، مما يعكس تواطؤاً بين بعض المسؤولين وأرباب مؤسسات التعليم الخصوصي.
في سياق آخر، انتقد المكتب الطريقة التي يتم بها اختيار الوفود المرافقة للفرق المشاركة في البطولات الدولية، مؤكداً أن الاختيار يعتمد على المحاباة وليس الكفاءة. وأوضح أن الأساتذة المؤطرين المؤهلين يتم تغييبهم لصالح مسؤولي مديرية الارتقاء وبعض أعضاء المكتب المديري المقربين.
أما فيما يتعلق بالشراكات، فقد أشار المكتب إلى أن معظم الشراكات المبرمة مع الجامعات الرياضية والجمعيات المدنية تظل غير مفعلة. واستثنى من ذلك الشراكة مع جمعية أساتذة علوم الحياة والأرض التي ترأسها زوجة مدير مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية. وأكد أن هذه الجمعية تشارك في جميع البطولات المدرسية وتستفيد من إقامة فاخرة بفنادق خمس نجوم، مع تغطية نفقات التنقل وتقديم تعويضات سخية مقابل أنشطة وصفها المكتب بأنها ذات طابع هزيل.
وفي الختام، دعا المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم إلى اتخاذ تدابير حازمة لمعالجة هذه الاختلالات، وإعادة النظر في أسلوب تدبير الرياضة المدرسية بما يضمن تحقيق الشفافية والعدالة.