تشهد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حالة غير مسبوقة من الارتباك، بعد موجة إعفاءات متتالية طالت عدداً من المسؤولين المركزيين والإقليميين، في مشهد يكشف عمق التصدع داخل دواليب القطاع، بل وداخل مكونات الأغلبية الحكومية نفسها.
وآخر هذه الإعفاءات، التي أثارت جدلاً واسعاً، كانت في حق الكاتب العام للوزارة، يونس السحيمي، المحسوب على حزب الاستقلال، والذي قاد في الفترة الأخيرة عدداً من جولات الحوار الاجتماعي مع النقابات التعليمية، قبل أن يُفاجأ الجميع بإبعاده من منصبه في توقيت دقيق وملغوم سياسياً.
رد الفعل لم يتأخر. الذراع النقابية لحزب الاستقلال، ممثلة في الجامعة الحرة للتعليم، لم تُخفِ انزعاجها، ووجهت اتهامات واضحة بعودة منطق تصفية الحسابات داخل الوزارة، محذّرة مما سمته “ارتهان تطلعات الأسرة التعليمية لصراع الأجنحة”، وغياب الجدية في معالجة الملفات العالقة. بيانها جاء محمّلاً بلغة سياسية مباشرة، داعياً إلى تصحيح المسار قبل الحديث عن أي عودة لطاولة الحوار.
ولكن ما حدث في المركز لم يكن إلا رأس الجليد. فوزارة محمد سعيد برادة أقدمت، في تحرك متزامن، على إنهاء مهام 16 مديراً إقليمياً، ونقل 7 آخرين، وهو ما فجّر موجة من التساؤلات حول خلفيات هذه القرارات، التي وصفتها مصادر تربوية بأنها ليست سوى نتيجة لصراعات سياسية خفية تتغذى من هشاشة التحالف الحكومي.
الوزارة، من جهتها، حاولت احتواء الجدل ببلاغ رسمي تحدث عن “تقييم الأداء وربط المسؤولية بالمحاسبة”، لكن هذه الرواية سرعان ما وُوجهت بالتكذيب من طرف بعض المعنيين بالإعفاء، أبرزهم المدير الإقليمي السابق بخريبكة، محمد أجود، الذي وصف مبررات الوزارة بـ”المغالطات”، متسائلاً بلهجة واضحة: “ربما يجب البحث عن تبريرات أخرى”.
والمثير في كل هذا ليس فقط عدد الإعفاءات، بل السياق الذي جاءت فيه: أزمة ثقة بين الوزارة وشركائها، توتر متصاعد داخل الأغلبية، وتململ في الشارع التعليمي الذي يرى في هذه القرارات إشارة إلى أن الإصلاح لم يعد أولوية، بل ساحة لتصفية حسابات حزبية في زمن انتخابي يقترب.