دخل مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي مرحلة دقيقة داخل مجلس النواب، بعدما فجّر موجة جديدة من الجدل السياسي والأكاديمي، واضعاً وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، في قلب انتقادات حادة من الأغلبية والمعارضة على حد سواء، بسبب ما اعتُبر تمسّكاً بمقتضيات مثيرة للخلاف تمس جوهر الجامعة العمومية واستقلالها.

وخلال جلسة إيداع التعديلات بلجنة التعليم والثقافة والاتصال، تقدمت الفرق والمجموعات النيابية بعشرات المقترحات التي تعكس حجم التحفظات على فلسفة المشروع، وفي مقدمتها التعديلات التي رفعتها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، والتي استهدفت بشكل مباشر المواد الأكثر حساسية، وعلى رأسها المادة 84، التي يرى فيها الأساتذة والموظفون محاولة لإذابة الفوارق النظامية بين هيئة الأساتذة الباحثين والأطر الإدارية والتقنية، بما يهدد خصوصية الاستقلال الأكاديمي ووظيفة البحث العلمي.
واعتبرت المجموعة أن الصيغة التي دافعت عنها الحكومة، تحت إشراف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تمثل خلطاً غير مبرر بين وضعيات مهنية مختلفة، محذرة من أن ذلك قد يفتح الباب أمام التحكم الإداري في المسار العلمي والبيداغوجي داخل الجامعة، وهو ما يتعارض مع الأعراف الجامعية ومعايير الحكامة الأكاديمية المعتمدة دولياً.
وفي مواجهة تصور الحكومة لمجلس الأمناء، طالبت التعديلات البرلمانية بإعادة تعريف شروط رئاسته، عبر اشتراط الكفاءة العلمية والخبرة الأكاديمية بدل الاقتصار على تجربة “التدبير العمومي”، في إشارة واضحة إلى رفض تحويل هذا المجلس إلى أداة إدارية أو سياسية تتحكم في قرارات الجامعات، بدل أن تكون فضاءً داعماً لاستقلالها العلمي.
كما وجّهت التعديلات انتقادات غير مباشرة لسياسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، من خلال الدعوة إلى التنصيص الصريح على التزام الدولة بدعم التعليم العالي العمومي باعتباره رافعة للعدالة الاجتماعية والارتقاء الاجتماعي، في ظل مخاوف متزايدة من أن المشروع، بصيغته الحالية، يمهد لتراجع الدور العمومي لفائدة فاعلين خواص، تحت غطاء الشراكات أو “التكامل” بين القطاعين.






