عبد السلام المساوي
يحق لنا أن نبتهج أن هذه الأرض أعطت هكذا ثمار….أعطت سعاد قادة
هي امرأة استثنائية بنجاحها … هي امرأة نبتت في تربة هذا البلد، خرجت من قاع المغرب … من شرقه … من بركان … المرأة التي انسلت منسحبة من الأضواء إلى التمدد في احترامنا لها، هي من ملأت حياتها بلا دوي، بالوقوف هادئة في مواجهة الصخب …سعاد وليس أحد غيرها … لا تزاحم أحدا على “مساحة” ولا على “تفاحة”… بإرادتها وإصرارها تنسج نسيجها المييز.
كعادة ألأنهار، تنزل من القمم لتسقي السهول، انحدرت سعاد من جبال بني يزناسن، من بركان، لتصبح منذ طفولتها امرأة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات، إذ لم يكن من السهل على يافعة مثلها أن تلتحف أحلامها وتنتعل طموحها، وتتعطر بوعيها الوطني الاتحادي المبكر، وتضرب في الأرض ” منتصبة القامة مرفوع الهامة “؛… محصنة أخلاقيا وفكريا … الكفاءة هي العنوان.
تتميز سعاد بأنها متعددة الميزات، ولا فرق بين مميزاتها … إنها تعترض ولا تعارض، تفعل ولا تقول، تواكب ولا تساير … تنضبط ولا تخضع، ضمير لا يدعي الحكمة … وطنية خام ومواطنة أصيلة … وفية للملكية، للمشروع والنشيد، للشعار والمبدأ …. استثناء في زمن الكائنات المتناسخة … مترفعة في زمن التهافت … طموحة … ولها من الكفاءات والقدرات ما يجعل طموحها شرعيا ومشروعا..
وهي طفل، وهي تنمو، نما فيه حب الوطن والانخراط في تنميته … مستعدة لتخسر كل شيء إلا وطنيتها… مستعدة لتتنازل عن كل شيء إلا أنها اتحادية من بركان.. إنها كالنهر يعود إلى نبعه والماء الى مصبه الطبيعي ..
وبالاضافة الى كونها مناضلة ، فسعاد أم …أمومة تحولها لحنا يدمع الأحاسيس مرات أو يعلن العطف والحب مرارا….
مغزى الميلاد
اقتحمت سعاد الوجود بكثير من الارادة وبكثير من الأمل …تأتي في زمن مغربي صعب وعسير ( 1962 ) …تأتي لتبشر بعودة ” السبع السمان ” منتصرة على ” السبع العجاف ” ، لتملأ ارضنا خصبا ، وبيادرنا حبا وحبا …تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للاتحاد الاشتراكي …جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم ، واحتفلنا بألحان النشيد الاتحادي …رقصنا ( رقصة الركادة ) مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات ، الاعتماد على النفس ، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود….قد يكون الميلاد حلوا …انما المستقبل أحلى …تأتي سعاد لتكسر الصمت وتحطم المألوف ، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي ، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة …لتسمو عن دونية الحريم وخسة ” العيالات والولايا ” وتعانق شموخ الانسان وكبرياء المرأة…
انها كفاءة
منذ بداية البدايات عشقت الكلمة وداعبت القلم …عز عليها ان تسقط فتستجيب لطيور الظلام …عز عليها ان تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الدراسة مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على ان تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وان كان الزمن زمن جهل ورداءة …اذن فلا خوف علينا اذا ادلهمت بنا الافاق من ان لا نجد مناضلة مقتدرة تنبهنا وتهدينا …فان سعاد التي أطلقت في زمن الصمت صرخة ، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد…
مسار تعليمي ناجح ومتميز …سعاد منتوج تربوي مغربي جيد …بنت المدرسة العمومية …
وبما أن الاختيار رسائل ورموز ، اختارت سعاد ،ومنذ البداية ، الابتعاد عن القطاع العام ….عن الوظيفة العمومية ….انطلقت في عالم المحاماة بعد ان كانت طالبة مجدة في كلية الحقوق ( القانون الخاص ) وقد أثبتت الأستاذة سعاد ، من خلال حضورها الوازن في المحاكم ومن خلال مرافعاتها ؛ أنها حقا محامية ناجحة ….
كفاءتها ، استقامتها ، حبها من طرف ساكنة بركان …بعض من صفاتها التي أهلتها لتكون فاعلة منتخبة ؛ عضو المجلس الجماعي حاليا …رئيسة لجنة المالية والميزانية بالمجلس الجماعي لبركان خلال الولاية الانتدابية ( 2009 _ 2015 )…
تتصف سعاد بكل خصال الاطار المنتخب والسياسي التواق الى النجاح ؛ بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز ، والتقدم بخطوات محسوبة ، دون تسرع ودون تهور ، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل ، ورفض الانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة ، وتأهب دائم للمبادرة والفعل مسلحة برؤية واضحة ، وبمنهجية علمية واقتراح حلول ومخارج ناجعة ، وامتلاك الحدس الذي يتجاوز ما هو كائن الى ما ينبغي أن يكون …
سعاد عقلانية تكوينا ، براغماتية سلوكا …من هنا كان النجاح في المهنة ؛ …في المسؤولية والمهمة..
وعي سياسي مبكر
تنتمي سعاد الى جيل ” الشبيبة الاتحادية _ 1982 ” الذي رسم ولا زال يرسم الى اليوم علامات وضاءة ، ليس من السهل ، كما يرى باحثون ومتتبعون ، ان يأتي الزمان بها ، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه الحزب الشيء الكثير….
تعطرت بوعي سياسي مبكر ، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح …اختارت ان تكون اتحادية؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي ، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم …انخرطت في العمل السياسي وهي فتاة ؛ والفتاة عندما تعانق السياسة تصبح ثورية بالضرورة ، وإذا عانقتها في حزب يروم التحرر من الجمود والتخلف فإنهاتبلغ سقف الالتزام المؤسس على جروح الوطن…سعاد منتوج اتحادي ، ارتشفت السياسة في مدرسة الاتحاد الاشتراكي مناضلة مخلصة..
عانقت النضال وهي بالكاد شابة.. شكلت وما زالت قيمة مضافة لحزب الاتحاد الاشتراكي …تحاصرها اسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها …المناضلة صاحبة قضية ، وعلى سعاد ان تواجه الامواج والاعصار …فهذه قناعتها وهذا واجبها….وهذه مهمتها..والا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة الى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى المناضلة سعاد ترى الاشياء …وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من انفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون ، وبين التين والزيتون ، امنت سعاد ان النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين ، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي ، بل إنه قناعة انطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما سياسيا …هذا جوهر كينونتها وعنوان هويتها …التحدي هو سيد الميدان …وقفت سعاد فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للذل والمهانة …انها صاحبة اشكالية ملحاحة ، وملحة في اقتراح الحلول لها ، اشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته….
اعلنت انتماءها العضوي لقضايا الانسان …مناضلة فاعلة ومبادرة ؛ حضورها في الميدان …في الفضاء …في المجتمع…يؤكد سمو الفكر ورفعة الاخلاق … عضو جمعية ” أمي ” ذات الصيت العالمي ؛ نائبة رئيس جمعيات الآباء باقليم بركان…..
انها ديموقراطية…انها حداثية …والحداثة عندها ليست بالمعنى المبتذل ، اللاواعي واللامؤسس ، بل الحداثة النابعة من فكر الانوار …الحداثة المؤسسة على العقل ؛ عقلنة التفكير …عقلنة المجتمع …عقلنة السلوك …ألام المرحلة حاضرة في وعيها …هي سعاد، اذن ، حداثية بموروث ثقافي …حداثية بموروث مغربي أصيل.. مناضلة بقناعاتها …وما اسهل تاقلمها في المجال اذا ارادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر او قرار …تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …وتقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان …لم تسقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي …هي اتحاديةايمانا واختيارا …اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالنضال والتضحية …انطلقت من القاعدة ….تدرجت صعودا في صفوف القوات الشعبية ، وهي الآن ، عضو مكتب فرع بركان وعضو الكتابيةالإقليمية….
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود ، بالجدية وشيء من الشغب ،تصطحب ظلها لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات ، لعناق الامل ، ودائما تحمل في كفها دفاتر وورودا ، وفي ذهنها أفكار ومبادرات ، وعلى كتفها مهام ومسؤوليات ، فهي تكره الفراغ…ان الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والاحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …وتقول سعاد:” لا تهمني الحفر ولا اعيرها اي انتباه ” …منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، في المهنة والنضال ، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح في الثالوث الذي يؤثث مسارها؛ السياسة ، المحاماة ، العمل الجمعوي…
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية …تكره الأسلوب المتشائم ولغة الياس والتيئيس …لا…هي امرأة جد متفائلة ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل …وهذا الطموح …وهذا الحب اللامشروط للمغرب رغم الكابة في السماء والأسى لدى الاخرين …قد يكون الماضي حلوا إنما المستقبل احلى…
ارتشفت ثدي الاشتراكية الديموقراطية ونهلت من حليبها ، وتشبعت بمبادئها وقيمها الإنسانية….
مبدأ الانتماء
تقوم فلسفة سعاد في الأداء الحزبي على مبدأ الانتماء ، فهي مشبعة بهذا المبدأ وترى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الإحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على الوطن وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة ، بل إنها تعتقد واثقة ان الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للمؤسسة التي تمثل حقل خدمة الوطن…
تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ
ان السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري ، لا الاستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا ، هنا والان ، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات وان كانت النيات وجاهتها الأخلاقية.
لحسن حظنا لم يعد هناك ذو عقل بعد كل هذا ، ان يعلو كرسي الاستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية ..وبالنسبة لسعاد ، فرغم ” الكبوة ” التي مست الاتحاد الاشتراكي ، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن اضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث ، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار المشتت ان تقر بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لن تتحقق بدون حزب من وزنه …
ان حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي تفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي ملك لكل الديموقراطيين وليس ملك نفسه ، وهو بذلك معني ، من وجهة نظر التاريخ ، ليس بمصيره الخاص فقط ، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية ، بشكل عام ، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم اساسي في أجندة البلاد…
سعاد قادة مناضلة اتحادية ومواطنة وطنية…انها اتحادية تنتمي مطاوعة لكنهت لا ترضخ …اختيارا لا قسرا …تنسجم بيد أنها لا تذوب …هي ذات فرادى واختلاف …تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم ، وتعود مثقلة بالتجارب والمعارف لتبشر بغد جميل لمغرب جميل …لا يمكن أن تحشر في زمرة السياسيين الكسالى ، فهي ليست منهم ، لأنها محصنة ، ولكنها تعرف ان الطريق ألغام وكوابيس …وقائع وانفجارات ..دسائس واشاعات …لهذا تمضي بحكمة وثبات …تفضح الكوابيس وتنبه الى صخبها …تنبه إلى الاغراءات وتحذر من مخاطرها …لترتفع إلى مقام المسؤولية الملتزمة ….وليست منهم لانها رضعت الاناقة والانافة في معبد الشجعان …فاسمحوا لي ان أعلنها صاحبة قضية…
الوفاء للنشيد
لسعاد حضور نضالي قوي ، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ،بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار نضالي ومهني …هي اصلا تربت ضد الصمت ..تربت على كره النفاق والغدر ..وهي طفلة ، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة …مترفعة في لحظات الهرولة …واثقة في زمن التيه …مؤمنة بان النجاح اجتهاد وعمل…وان النضال اختيار والتزام …
تلقت تربية نزعت منها للابد الإحساس بالخوف والاستسلام …وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق …تربية زرعت فيها الصمود والتصدي …تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة …تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا…تمطر حبا حينا ونارا احيانا….
سعاد تتصف بكل خصال المناضلة الملتزمة…بسيطة ومتواضعة، كريمة وصادقة، مخلصة ووفية ؛ وفية للوطن ، وفية للتاريخ ، للأصدقاء….نزيهة فكريا وأخلاقيا …طاقة جبارة على التعبئة والنضال في مختلف الواجهات….
عقلانية فكرا وممارسة ، العقل معيار الحقيقة ، العقل منهج لمحاربة التضليل والتشكيك …تمقت الانفعالات والتفكير بالعاطفة والانسياق وراء الشعارات والوقوع سجينة الحماس المرضي …تؤمن بان التاريخ يصنع ، ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين ، فإما أن ننخرط فيه ، وندقق كيفية وطريقة الانخراط والا أصبحنا متجاوزين ، سلبيين وعدميين….
الأناقة هي العنوان
بالرغم من انها غادرت عمر الزهور ، فإنها ما زالت محتفظة ببريقها وديناميتها ، باناقتها وتالقها ، فسعاد التي تمرست بنضالات الالتزام الجمعوي والسياسي ومسؤوليات العمل المهني ما زالت متمسكة بوهج الحياة …صفة الشباب تلازمها اينما حلت وارتحلت…فاعلة ديناميكية…تتمتع بخاصية فريدة في التواصل والمرح التي لا تخفي جديتها وصرامتها ،تتميز بحسن الدعابة بالرغم من انها تقتصد في ابتسامتها…عنيدة مثل جغرافية المغرب وجبال بني. يزناسن….
انسانة بشوشة في طيبوبتها ، وطيبة ببشاشتها …قوية بهدوئها ، وهادئةبقوتها …هكذا كما نعرفها، اسمها سعاد …اجتماعية بطبعها…وما اسهل تاقلمها في المجال اذا ارادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر او قرار …تحب المبادرات والأعمال التضامنية …وتقول ” لا ” لإعطاء الدروس بالمجان…