سليمان الخشين يكتب: هل آن رفع حظر الصلاة في المساجد؟
سنحاول من خلال هذا المقال الحديث عن الإجراءات اللي أعلنت عنها وزارة الداخلية ووزارة الصحة في بيان مشترك، بخصوص المزيد من تخفيف الحجر الصحي عن البلاد والعباد سواء في المنطقة 1 أو المنطقة 2 في انتظار عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، بعد أن يجلو الله عنا هذا البلاء. فالله سبحانه وتعالى، هو الوحيد الذي يعرف الحكمة من هذا الابتلاء الذي لم تسلم منه أمة مسلمة أو أمة غير مسلمة.
في هذا الإطار جاء البيان المشترك للوزارتين المذكورتين، وابتداء من 24 يونيو سيسمح بفتح والمطاعم المقاهي والمطاعم والفنادق، والحمامات، وأماكن السباحة…. ولكن شريطة ألا تتجاوز الطاقة الاستيعابية 50 % (يعني بلا زحام، واحترام مسافة الأمان الضرورية بين كل شخص وشخص آخر التي يجب ألا تقل عن متر ونصف)، بالإضافة إلى باقي الإجراءات الاحترازية من قبيل وضع الكمامات الطبية…. واستثنى نفس البلاغ إقامة بعض الأنشطة الأخرى مثل الجنائز، وفتح دور العبادة في وجه المصلين. وهنا غادي ينوضو بعض المحسوبين على الإسلام السياسي أو الإسلام الحركي، أو أصحاب الفكر السلفي (تختلف التسميات ولكن المدلول واحد وهو أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم أصحاب الحق الحصري في الدفاع عن الدين، مع أن الدين لله…) ليحتجوا عن أسباب عدم ضم المساجد ضمن باقي المرافق المسموح لها باستئناف أنشطتها.
إذن هذا هو بيت القصيد، ومربط الفرس من هذا المقال. بطبيعة الحال، التدين أمر مطلوب، لأنه يقي الإنسان من الوقوع في الزلات والمعاصي، ولكن من قال بأن التدين يوجد فقط في المساجد؟ الدين واسع ورحب، يشمل الكلمة الطيبة، وإماطة الأذى عن الطريق، وفي الصدقات، وفي طلب العلم، وفي الإخلاص في العمل، وفي تحري الصدق، واجتناب الكذب والنفاق والرياء….. أو ليست الصلاة في البيوت كافية في هذه الظروف الاستثنائية ليتقبلها الله من عباده المؤمنين؟ إن الصلاة قبل أن تكون طقسا دينيا جماعيا لأسباب معينة؛ منها الحرص على تعليم المسلم أداء الصلاة بكيفية صحيحة خلف الإمام، وباعتبارها وسيلة أساسية لإظهار أهم شعيرة من شعائر الإسلام… إلا أنها مع ذلك تبقى شريعة فردية بامتياز، لأن الصلاة هي صلة بين الإنسان وربه، والصلاة لغة تعني الدعاء. أي إنها مناجاة ما بين المؤمن وربه، يدعوه فيها بالمغفرة والثواب، بل ويسأله بما يشاء؛ سواء في أمور دنياه أو في أمور آخرته. وخاصة أثناء السجود حينما يكون الإنسان أقرب ما يكون فيها إلى الله عز وجل.
لقد أجمع علماء الأمة بجواز إغلاق المساجد، إذا كان فتحها من شأنه نشر الوباء بين المصلين، فهل انتفى هذا الشرط لنقول بضرورة عودة المساجد لاستئناف نشاطها؟ إن الوباء ما زال موجودا، ولم يتم التحكم فيه بصفة كلية. فما زالت تظهر ما بين الحين والآخر بؤرة هنا وهناك. إذن الذي يجب أن يفتي باستئناف عمل المساجد هي وزارة الصحة. حتى وزارة الأوقاف ولا المجلس العلمي الأعلى لا يمكنه أن يقدم على هذه المجازفة بدون إذن من وزارة الصحة. تخيلوا معي إذا ما فتحت المساجد الآن في وجه عموم المصلين، كم يلزمنا من معدات التعقيم التي يجب أن رشها قبل كل صلاة وبعدها، وكم يلزمنا من أطر طبية تقوم بقيام حرارة كل مصل قبل أن تسمح له بالدخول. وأمام هذه التدابير الاحترازات، كيف سيشعر المصلي بالطمأنينة والخشوع، خاصة إذا ما سعل شخص بالقرب منه، لا شك أن الوسواس الخناس سوف يصور له أن الذي سعل شخص مصاب بفيروس كورونا، وسيذهب معها ما تبقى له من خشوع. وبذلك تكون صلاته ناقصة، ولا شك أن صلاته في المنزل التي تكون بدون هذه الهواجس ستكون أكثر خشوعا، أي أكثر صحة وقبولا من الله عز وجل، مصداقا لقوله تعالى: “قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون”. ثم كيف ستكون هذه الصلاة، في هذه الظروف الوبائية التي تستدعي تباعدا ما بين الأشخاص لمسافة معينة. ونحن نعرف أنه لتمام صلاة الجماعة لا بد من لمس المناكب للمناكب والأقدام للأقدام وعدم ترك مساحة للفرجات التي يتسلل منها الشيطان (كما ورد في الحديث) هل ستكون الصلاة بهذه الطريقة صحيحة؟ أو ليست الصلاة في المنزل أكثر صحة واكتمالا. لا شك أن التبرير الذي قدمه المجلس العلمي الأعلى في البيان الذي أصدره في هذا الشأن يعتبر منطقيا حينما اعتبرت أن الصلاة يجب أن تكون مبنية على اليقين ولا يجوز أن يصاحبها أي نوع من أنواع الشك، للحديث الصحيح: “دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك”؛ ولذلك نقول للذين يدعون برفع الحظر عن المساجد، بأن الدين يسر، لقوله سبحانه وتعالى: “وما جعل الله عليكم في الدين من حرج” وسواء كانت صلاة الجماعة فرض عين أم فرض كفاية أم سنة أو غير واجبة، فإن جميع الواجبات تسقط لعذر من الأعذار كيفما كان نوعه، فكيف هذا العذر هو حفظ النفس، التي اعتبر “علماء المقاصد” مقدما على حفظ الدين. ولذلك كفى ضجيجا، و”اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”.