سوق التجارة الإلكترونية في المغرب يتجاوز 22 مليار درهم.. والسلطات تتحرك لضبط القطاع واحتواء “الفوضى الرقمية

هاشتاغ
يشهد قطاع التجارة الإلكترونية في المغرب نمواً متسارعاً، حيث بلغت معاملاته المالية نحو 22 مليار درهم في عام 2023، مسجلاً معدل نمو سنوي تجاوز 30% خلال السنوات الخمس الأخيرة. هذا الزخم دفع الحكومة إلى تسريع خطوات تنظيم القطاع ومراقبته، في محاولة لكبح التجاوزات وتحقيق التوازن بين الابتكار والضبط القانوني.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، عن إطلاق خلية خاصة لمراقبة التجارة الإلكترونية، قامت خلال عام 2024 بـ200 عملية تفتيش، أسفرت عن توجيه إنذارات وتحرير ستة محاضر مخالفات. كما يجري تعديل قانون حماية المستهلك ليشمل منصات الأسواق الكبرى (Marketplace) ويمنع الممارسات الاحتيالية وغير القانونية التي تُهدد ثقة المستهلك وتضر بالمنافسة.

ولتوسيع قاعدة المشاركة الرقمية، أطلقت الوزارة برامج مواكبة لفائدة 4500 تاجر تقليدي في مجال الرقمنة، وتم إنشاء 200 نقطة تسليم محلية، إلى جانب دعم 161 شركة ناشئة عبر منصة “Moroccan Retail Tech Builder”، في خطوة لدمج الاقتصاد غير المهيكل في السوق الرقمي الرسمي.

من جهة أخرى، شهد قطاع الأداء الإلكتروني طفرة تنظيمية بعد شكاوى تتعلق بالاحتكار من طرف المركز النقدي بين البنوك (CMI). وتدخل مجلس المنافسة أفضى إلى كسر هيمنة CMI، حيث تم الترخيص منذ ماي 2025 لستة فاعلين جدد – معظمهم فروع لبنوك مغربية – ما يمهد لإعادة توزيع السوق وتحويل آلاف العقود وأجهزة الدفع نحو هذه الفاعلين الجدد قبل نوفمبر المقبل. ويُرتقب أن يتم إنشاء منصة معالجة مركزية للمعاملات بالشراكة مع “فيزا” و”ماستركارد”، لضمان جودة الخدمة وسرعة العمليات في إطار أكثر تنافسية.

رغم الدينامية المسجلة، لا تزال مساهمة التجارة الإلكترونية في الناتج الداخلي الإجمالي ضعيفة (لا تتجاوز 0.5%)، ويستمر المغاربة في تفضيل الدفع نقداً عند التسليم. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها ضعف معدل الاستبناك (54% فقط في 2023)، وانتشار الائتمان غير الرسمي، إضافة إلى مخاوف مرتبطة بالثقة وسلامة المعاملات الإلكترونية. وأمام هذه المعضلة، أطلق بنك المغرب، تحت إشراف عبد اللطيف الجواهري، دراسة ميدانية لفهم الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تجعل المستهلك المغربي متمسكاً بـ”الكاش”، رغم التوسع الكبير في الوسائل الرقمية.

في تطور لافت، دخل عملاق التجارة الإلكترونية الصيني “علي بابا” السوق المغربي أواخر سنة 2024، عبر إطلاق منصة محلية وشركة لوجستية تابعة له في الدار البيضاء، بهدف تحويل المغرب إلى منصة إقليمية للتجارة الإلكترونية نحو غرب إفريقيا. هذا الاستثمار الضخم يعكس جاذبية السوق المغربي ويدفع في اتجاه مزيد من المنافسة والتطوير، لكنه يفرض في المقابل على السلطات المغربية تطوير بنيتها التشريعية والتنظيمية لتكون قادرة على مواكبة هذا الزخم الدولي.