شاب يعتصم فوق خزان مائي مطالبًا بكشف حقيقة وفاة والده

هاشتاغ-بني ملال
في جماعة أولاد يوسف بإقليم بني ملال، وتحت شمس حارقة لا ترحم، يخوض شاب أربعيني يُدعى بوعبيد اعتصامًا مؤلمًا فوق خزان مائي شاهق، منذ عشرة أيام كاملة. ليس معه إلا صمته وجرحه العميق، وليس له من مطلب سوى الحقيقة… حقيقة رحيل والده، الذي غادر الحياة في ظروف يصفها بـ”الغامضة”، تاركًا خلفه سؤالًا لم يجد بعد من يجيب عنه.

بوعبيد، الذي عرفه الجيران بدماثة خلقه وهدوئه، لم يعد ذاك الرجل العادي بين الناس. هو الآن صورة للوجع المعلّق في السماء، يبيت ويصحو على الأسمنت القاسي، دون ماء أو طعام، لا يرد على نداءات الإنزال إلا بكلمة واحدة تقطع القلوب: “عاش الملك”. جملة اختصر بها كل أمل، وجّه من خلالها صوته المبحوح نحو أعلى سلطة في البلاد، حين لم يجد أذنًا صاغية أو جهة عادلة تنصت لصرخته.

“أريد الحقيقة فقط”… هذا ما يتردد بين من يعرفون قصته. والده، الموظف السابق الذي خرج للتقاعد ثم خرج من الدنيا بصمت، مات وهو يحمل أسرارًا، مات وهو يترك خلفه نزاعًا عائليًا ثقيلًا، وإرثًا مشحونًا بالخلافات، وربما بالشكوك. بوعبيد لا يبحث عن انتقام، بل عن تفسير… عن عدالة تشفي قلبًا انفطر من وجع الغموض والتجاهل.

المشهد يزداد قسوة حين وصلت والدته المسنّة من مدينة العيون، تحاول أن تنقذ ما تبقى من ابنها، وهو يلوح لها من الأعلى بعينين مرهقتين، لا تبكي فقط من التعب، بل من الانكسار أيضًا. بكاؤها لم يفلح في تليين عزيمته، ونداؤها الموجع لم يوقف هذه المغامرة الحزينة على حافة المأساة.

وفيما يتوافد الناس تباعًا إلى مكان الاعتصام، تزداد الأسئلة وتتعالى علامات الاستفهام: أين السلطات؟ أين صوت الدولة التي طالما وعدت بالإنصات للمواطن؟ لماذا كل هذا الصمت أمام قصة إنسانية بهذا الثقل؟

فعاليات مدنية وحقوقية رفعت نداءات مستعجلة، محذرة من كارثة وشيكة، مع تدهور صحة المعتصم وتزايد مخاوف الناس من نهاية مأساوية. في حين يظل بوعبيد هناك، معلقًا بين الأرض والسماء، لا يسأل الكثير… فقط حقيقة واحدة عن موت والده، وعدالة ترد له شيئًا من طمأنينة مفقودة.

إنه ليس معتصمًا فقط… إنه ابن مكلوم، ومواطن غاضب، ورجل قرر أن يصرخ من أعلى، حين فشل في أن يُسمَع في الأسفل.