في الوقت الذي تتحدث فيه وزارة التربية الوطنية عن “إنجازات كبرى” في تعميم التعليم الأولي، برزت تقارير ميدانية وشكاوى متصاعدة تسائل حقيقة ما يجري في العمق، وتكشف تناقضًا صارخًا بين الأرقام المعلنة والواقع المرير الذي تعيشه آلاف الأسر والمربيات ومربي التعليم الأولي.
محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قدم صورة وردية عن القطاع، مؤكدا أن عدد حجرات التعليم الأولي بلغ 21 ألفًا و575 حجرة برسم الموسم الدراسي 2023/2024، مقارنة بـ2733 فقط في موسم 2018/2019، وهو ما سمح باستقطاب أزيد من 611 ألف طفل وطفلة، ورفع نسبة التمدرس إلى 82.1%.
كما تحدث الوزير عن ارتفاع الاعتمادات المالية المرصودة، حيث قفزت من 1.35 مليار درهم سنة 2019 إلى 2.56 مليار درهم سنة 2024، في وقت أبرمت فيه الوزارة شراكات مع جمعيات لتسيير الأقسام، وأطلقت تكوينات تشمل أكثر من 550 ساعة، بشراكة مع المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي.
لكن خلف هذه الصورة الرسمية، تقف فدرالية التعليم الخصوصي والأولي لتدق ناقوس الخطر، مطالبة بفتح تحقيق من طرف المجلس الأعلى للحسابات في ميزانيات تعليم أولي نُفذت بين 2021 و2023، وسط شبهات تسيير غير شفاف، وواقع مهني “مزرٍ” تعانيه شغيلة القطاع.
الفدرالية أطلقت عبارات نارية: “الواقع لا يعكس الأرقام”، و”الميزانيات الضخمة تُنفق بلا أثر فعلي”، مشيرة إلى أن التعليم الأولي مازال رهينة عشوائية التدبير، وخصاص مهول في الوحدات، خصوصا بالعالم القروي، حيث لا يتجاوز الولوج نسبة 54%.
شهادات متكررة من المربيات والمربين تتحدث عن ظروف عمل قاسية، غياب أجور منتظمة، وانعدام التغطية الصحية والانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بل حتى غياب الاعتراف بمهمتهم الأصلية كمربين، وسط تراكم مهام إضافية تُثقل كاهلهم.
والأخطر، أن أغلب الوحدات التعليمية، بحسب التقارير، تفتقر لأبسط شروط النظافة والصيانة، وبعضها متضرر من الزلزال الأخير دون أن تتم إعادة تأهيله، بينما ما يُرصد من أموال يتجاوز 2 مليار درهم سنويًا، منها 400 مليون مخصصة فقط للتسيير.
وبين الأرقام التي تتحدث عن “نجاحات” واستراتيجيات وتكوينات، وواقع يومي تملؤه الشكاوى والانهيارات، تتعالى أصوات تسأل: أين تذهب كل هذه المليارات؟ من يُحاسَب؟ وأي مستقبل نبنيه إذا كان أول ما يراه الطفل من المدرسة هو الخلل؟