هاشتاغ _ الرباط
في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي لمنطقة الساحل وجنوب الصحراء، تتبلور ملامح مشاريع استثمارية ضخمة تضم المغرب وموريتانيا والإمارات، تمتد على طول السواحل المغربية الموريتانية، بدءًا من الداخلة جنوب المملكة المغربية وصولًا إلى نواذيبو في شمال موريتانيا، حيث تعد هذه المشاريع جزءًا من “المبادرة الأطلسية” التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر 2023، تسعى إلى خلق دينامية تنموية استثنائية في المنطقة.
وتأتي المبادرة الأطلسية في سياق طموح لتعزيز التعاون الإقليمي والرفع من التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث، مع التركيز على تطوير البنى التحتية وتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة، السياحة، والعقارات.
ويبرز مشروع الهيدروجين الأخضر في الداخلة كإحدى الركائز الأساسية لهذا التعاون، والذي يتم بشراكة مغربية إماراتية، حيث يُعد من أكبر الاستثمارات الطاقية في المنطقة، حيث تصل قيمته إلى 25 مليار دولار، ويهدف إلى إنتاج مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا بحلول عام 2031، مع توجيه إنتاجه نحو الأسواق الأوروبية، في خطوة تُعزز ريادة المغرب في مجال الطاقة النظيفة.
ومن بين المشاريع الكبرى الأخرى، يُعد ميناء الداخلة الأطلسي مشروعًا استراتيجيًا يسعى إلى تحويل مدينة الداخلة إلى مركز لوجستي عالمي، يربط بين أسواق إفريقيا وأوروبا وأمريكا، والذي من شأنه أن يُعزز من الدور المحوري الذي تلعبه المملكة المغربية في تعزيز التواصل الاقتصادي الإقليمي، ويُسهم في خلق فرص اقتصادية مهمة لموريتانيا، التي تُعد شريكًا أساسيًا في هذه المبادرة.
ولا يقتصر الدور الإماراتي في هذه المشاريع على الدعم المالي فقط، بل يشمل أيضًا نقل الخبرات وتوظيف نماذج استثمارية ناجحة سبق للإمارات أن اعتمدتها في المغرب، حيث أنه من بين هذه النماذج، يبرز “صندوق وصال”، الذي أُسس بشراكة خليجية في عام 2011 وساهم في تمويل وتنفيذ مشاريع سياحية وعمرانية كبرى بالمغرب، برأسمال تجاوز 2.5 مليار يورو. هذا التوجه الإماراتي يؤكد التزامها بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وموريتانيا لتحقيق أهداف تنموية مشتركة.
الاجتماعات رفيعة المستوى التي انعقدت بين الملك محمد السادس، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، عكست الأهمية التي توليها القيادات الثلاث لهذه الشراكة، كما أن لقاءات عُقدت في أبوظبي بالتزامن مع زيارة القائدين المغربي والموريتاني للإمارات، ركزت على سبل تعزيز التعاون الثلاثي في إطار رؤية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، واستثمار الإمكانات الجغرافية والاقتصادية للدول الثلاث.
وتحمل هذه المشاريع بين طياتها تطلعات كبيرة نحو استقرار المنطقة وتنميتها، حيث من المتوقع أن تسهم في خلق آلاف فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية على طول السواحل المغربية والموريتانية. كما أن هذه الشراكة تُعد نموذجًا للتعاون الإقليمي المبني على رؤية استراتيجية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة، خاصة مع التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها الساحل الإفريقي.
وبالرغم من غياب بعض التفاصيل الدقيقة حول مكونات هذه المشاريع، إلا أن المؤشرات تُظهر أهمية استثنائية لهذه المبادرة، سواء على مستوى تعزيز العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا، أو على صعيد دعم استقرار المنطقة ككل. المبادرة الأطلسية ليست مجرد استثمار اقتصادي، بل هي رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل المنطقة إلى نموذج للتكامل والتعاون الإقليمي، في سياق يتطلب جهودًا موحدة لمواجهة التحديات الراهنة وبناء مستقبل مشرق ومزدهر.