شركة محظوظة تلتهم الملايين من “وكالة الملياني” للتنمية الرقمية

تواصل وكالة التنمية الرقمية إثارة الجدل حول صفقاتها المرتبطة بمعرض GITEX Africa 2025، فما إن يهدأ النقاش حول صفقة حتى تبرز أخرى تطرح تساؤلات جديدة حول الشفافية والتنافسية. وآخر هذه الصفقات بلغت قيمتها أكثر من 2.18 مليون درهم، وشملت توفير خدمة الإنترنت اللاسلكي المجاني خلال التظاهرة، إلى جانب تركيب نظام مراقبة بالفيديو. ورغم أنها جرت بشكل قانوني، إلا أن المثير في الأمر أن كلا الصفقتين آلت إلى نفس الشركة، التي قد تبدو وكأنها “محظوظة” بشكل استثنائي، مما يعيد النقاش حول معايير النزاهة في تدبير المال العام.

وتشير الوثائق التي حصل عليها موقع “هاشتاغ” إلى أن عملية طلب العروض التي نظمتها وكالة التنمية الرقمية شهدت مشاركة محدودة من الشركات، لتنتهي بترسية الصفقتين على شركة واحدة تتخذ من مدينة المحمدية مقراً لها. هذا الأمر يثير تساؤلات، لا سيما في ظل الجدل الذي أثارته صفقة الـ12 مليار التي أطلقتها الوكالة لتنظيم معرض GITEX Africa 2025، والتي تم إلغاؤها سابقا بعد أن آلت إلى شركة تحظى بحظوة كبيرة لدى المدير العام والمقربين منه، قبل أن يتم تجزئتها إلى صفقات مجزأة، في خطوة فتحت المجال أمام المزيد من التساؤلات حول تدبير المال العام ومدى احترام معايير الشفافية والتنافسية داخل الـADD.

وتتعلق الصفقة الأولى المسجلة تحت طلب العروض المفتوح رقم 01/2025 تتعلق بتوفير شبكة Wi-Fi مجانية خلال فعاليات GITEX Africa 2025، حيث تم فتح الأظرفة الخاصة بالصفقة يوم الإثنين 17 فبراير 2025 بمقر الوكالة في الرباط.

ووفقاً لمحاضر فتح الأظرفة، فقد شاركت ثلاث شركات، وهي MEDITELECOM، MODCOD، وSICOTEL COMMUNICATIONS، لكن بعد الفحص الإداري والتقني، لم يتم إقصاء أي شركة في المرحلة الأولى.

وفي مرحلة فحص العروض التقنية والمواصفات الفنية، تأهلت شركتا MODCOD وSICOTEL COMMUNICATIONS، فيما تم استبعاد MEDITELECOM دون تفسير واضح في المحضر. وبعد مراجعة العروض، تم استبعاد MODCOD أيضاً، مما جعل SICOTEL COMMUNICATIONS الشركة الوحيدة المؤهلة للحصول على الصفقة بمبلغ إجمالي قدره 940,800.00 درهم، وهي الصفقة التي أشر عليها المدير العام للوكالة محمد الإدريسي الملياني بتاريخ 05 مارس الجاري.

أما الصفقة الثانية، فهي تتعلق حسب الوثائق التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” بتركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت التابعة للوكالة، وذلك ضمن طلب العروض رقم 02/2025. وهي الصفقة التي تقدمت لها ثلاث شركات، وهي TECHVISION، MODCOD، وSICOTEL COMMUNICATIONS. وبعد فحص الملفات الإدارية، تم استبعاد TECHVISION لأسباب إدارية غير موضحة، فيما تأهلت شركتا MODCOD وSICOTEL COMMUNICATIONS للمرحلة التقنية.

وفي المرحلة التالية، تم استبعاد MODCOD بسبب عدم استيفائها لمتطلبات تقنية محددة، مما جعل SICOTEL COMMUNICATIONS الفائز الوحيد بالصفقة بمبلغ مالي إجمالي قدره 1,245,600.00 درهم، وهي الصفقة التي أشر عليها المدير العام للوكالة محمد الإدريسي الملياني بتاريخ 06 مارس الجاري.

وتكشف الوثائق الرسمية التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” أن المنافسة في الصفقتين كانت محدودة للغاية، حيث تم إقصاء الشركات الأخرى في مراحل مختلفة دون توضيح كافٍ، ما أدى إلى فوز SICOTEL COMMUNICATIONS دون أي منافس حقيقي في المرحلة النهائية. هذه الشركة التي تتخذ من المحمدية مقراً لها ليست من بين الأسماء الكبرى المعروفة في مجالي الاتصالات والمراقبة الأمنية، ما يطرح علامات استفهام حول أهليتها مقارنة بمنافسين كانوا قادرين على تقديم عروض مماثلة أو حتى أفضل.

وفي ظل هذه المعطيات، لا يمكن النظر إلى هذه الصفقات إلا أنها قد تكون مثالا صارخا على سوء التدبير واستنزاف المال العام تحت غطاء التحول الرقمي، حيث كيف يمكن تبرير إنفاق 940,800 درهم على خدمة إنترنت مؤقتة خلال معرض لا يستمر سوى أيام. والأدهى أن الصفقتين ليستا حالة معزولة، بل تأتيان في سياق سلسلة من الصفقات التي أثارت الجدل حول تدبير وكالة التنمية الرقمية، التي أصبح اسمها مرتبطا بمشاريع مكلفة دون أثر ملموس، حيث أن معرض GITEX Africa، الذي من المفترض أن يكون واجهة رقمية لعرض تقدم المغرب في المجال التكنولوجي، يكون قد تحول إلى مناسبة سنوية لتمرير صفقات ضخمة دون تقديم أي مبررات حقيقية لقيمتها المالية. مبلغ 1,245,600 درهم، الذي يمكن أن يموّل مشاريع مستدامة ذات أثر ملموس، يتم ضخه في معدات وخدمات مؤقتة تُستخدم لبضعة أيام فقط قبل أن تُركن في المستودعات، مما يثير تساؤلات جوهرية حول منطق الأولويات في تدبير المال العام.

وفي سياق الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن ترشيد النفقات ومحاربة تبديد المال العام، قد تُصبح هذه الصفقات اختبارا حقيقيا لإرادة الإصلاح ومدى استقلالية القرار الاقتصادي داخل المؤسسات العمومية. فهل نحن أمام استثمار حقيقي في البنية التحتية الرقمية، أم أمام إعادة إنتاج لنفس الممارسات القديمة في ثوب رقمي؟ عندما يتم إقصاء المنافسين دون تفسير واضح، وعندما تؤول العقود إلى بعض الشركات، يصبح واضحا أن التوجه نحو الرقمنة قد يكون سوى غطاء لتمرير صفقات على المقاس.