في اللحظات التي يتعرض فيها المغرب لحملات مسعورة من الخارج، ينتظر المواطن أن ينهض إعلام بلاده للرد والتفنيد وكشف الحقائق. لكن الحقيقة المرة أن إعلامنا، العمومي والخاص، غائب أو عاجز، وكأن الوطن لا يعنيه. ملايين الدراهم تُضخ سنوياً في قنوات ومؤسسات إعلامية تقتات على الدعم العمومي، لكنها حين يُطلب منها أن تؤدي دورها الوطني، تصاب بالخرس وتلوذ بالصمت.
أي إعلام هذا الذي يعيش على أعطاب المجتمع، ويقتات على الإثارة الرخيصة والفضائح التافهة، بينما يعجز عن الوقوف في وجه حملات منظمة تستهدف صورة البلاد وشرعيتها؟ أين كان إعلامنا حين تحولت بعض المنابر الأجنبية إلى أدوات سياسية تضرب في قلب مؤسساتنا؟ لقد صدق المثل المغربي: “نهار احتجتك اوجهي، قمشوك المشاش”، وهكذا فعل إعلامنا: تلاشى حين احتجنا إليه.
لنكن صرحاء؛ لا نملك إعلاماً قوياً، ولا صحافة مهنية جديرة بالثقة. ما لدينا أشباه منابر، تحركها نسب المشاهدات واللايكات أكثر مما يحركها واجب وطني أو ضمير مهني. لا يمكن بأي حال التعويل عليها للرد على أوساخ الإعلام الأجنبي، المنظم، المخدوم، والممول بأجندات واضحة. في المقابل، إعلامنا يعيش الفوضى، بلا رؤية، بلا قوة، بلا إستراتيجية.
المغرب بلد عظيم، بتاريخ عريق وملكية ضاربة في جذور الأمة، لكن إعلامه ليس في مستوى حضارته ولا في حجم تحدياته. وهنا مكمن الخطر؛ حين يغيب الإعلام الوطني الجاد، يترك فراغاً تملؤه الدعاية الخارجية. المطلوب ليس مزيداً من الأموال المهدورة، بل إعادة هيكلة حقيقية، ووضع الكفاءات الحقيقية في مواقع المسؤولية، وترك المهنة لأهلها. فالصحافة ليست تفاهة ولا فضائح شخصية، وإنما أداة لصناعة الرأي العام وحماية صورة الوطن.
إن الدفاع عن الوطن والعرش لا يقبل المساومة، والصمت لم يعد خياراً. فإما أن يستفيق الإعلام المغربي ليكون سيفاً في يد الأمة، وإما أن يظل عالة على الشعب الذي أثبت، مرة أخرى، أنه الحصن الأول والأخير. أما المغرب، فسيبقى أبياً، صامداً، عصياً على الانكسار، لأن في قلب كل مغربي يقين راسخ أن شعار الله الوطن الملك هو عقد وجود وميثاق خلود.