صوت الشعب و صوت الوطن !!

علي الغنبوري

لا اخفيكم سىرا ان دافع كتابة هذا المقال هو تداعيات ما خلفه الانتشار الكبير لمقطع غنائي لمجموعة من مغنيي « الراب »، الذي حمل طابع الدفاع عن الشعب و ايصال معاناته و ما يخالجه من تطلعات و هموم الى كل من يهمه الامر ، و على رأسهم المؤسسة الملكية .

شئنا ام ابينا ، اختلفنا او اتفقنا معه ، فهذا المقطع الغنائي فتح اعيننا على مجموعة من الامور و الوقائع التي تجري تحت جسر منظومتنا السياسية و الاجتماعية بالمغرب .

فهذا المقطع الغنائي ، كشف لنا انتهازية جزء كبير من الفاعلين السياسيين ، الذين يتحينون الفرص لانقضاض على هذا الشعب ، و تكريس انفسهم كاصوات له ، خرج دائرة النضال الشرعي، الممزوج بالتضحية و المبادرة السياسية الخلاقة .

كشف لنا كذلك ، اؤولائك الذين ، يجعلون من صوت الشعب ، مجالا خصبا لتصفية حساباتهم ، و مراكمة النقاط في سجل انتفاعهم الدائم بهموم و تطلعات الشعب .

و اظهر لنا هذا المقطع ايضا ، بؤس السياسة بالبلاد و انحرافها عن مسارها المتجسد في تأطير ابناء و بنات الشعب على القيم الوطنية الصادقة و على الحرية المسؤولة والواعية بتطلعات و مصالح الوطن .

هذا المقطع الغنائي لم يكن مجرد طلقة في الهواء، بل كان انعكاسا واقعيا لما يحاول البعض الباس هذا الشعب به من سطو و توجيه و تحريف لما يريده و يبتغيه من اجل تحقيق سبل العيش الكريم .

لن أسير في منحى توجيه الاتهام السمج لمصدري هذا المقطع الغنائي ، و ادعي معرفة داوفع و مبررات ما اقدموا عليه ،لكن من حقي ان انفي عنهم صفة التعميم و احتكار صوت الشعب ، و من حقي كذلك ان اطرح مجموعة من التساؤلات حول التوظيف المشبوه لهذا المقطع الغنائي من طرف بعض « المجهولين » الذين تتوفر فيهم ارادة التخريب و الهدم لأسس هذا الوطن .

صحيح ان انتشار هذا المقطع الغنائي كان بفضل جرأته و في سقف مطالبه المرتفع ، و في من توجه اليهم برسائله ، ولكنه حقق هذا الانتشار كذلك بفضل حركية مواكبة غير عادية ، على عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ، التي ظهرت بين عشية وضحها ، باسماء تحيل كلها على الشعب، و حاولت ترجمته من زاوية وحيدة تروم جعل الشعب في مواجهة عناصر اجماع الوطن.

سنكون من السذاجة بما كان، اذا اعتقدنا ان هذه الصفحات استطاعت ان تصل الى ملايين المعجبين و المنخرطين بهذه السرعة ، بفضل محتواها و تطوع المشرفين عليها ، فالمعرفة البسيطة بمنطق مواقع التواصل الاجتماعي ، سيثبت لنا ، ان وصول صفحة الى ملايين المنخرطين تتطلب ملايين الدراهم و الدولارات و العملات الصعبة ، خاصة ان منشورات هذه الصفحات لا تخفي انها مدعمة ماليا لتحقيق الانتشار عبر ما يسمى بخاصية « sponsoring ».

كما يتطلب هذا المجهود الالكتروني جيش من المتخصصين في مجالات متعددة (infographistes ,admins, redacteurs …)، و الى عدد كبير من المتابعين الدائمين لتفاصيل ما يدور داخل هذه الصفحات .

و من هنا يطرح السؤال من له كل هذا المال و الوقت ، ليضحي به من اجل ايصال « صوت الشعب » ؟ و ما هو الهدف او بالاحرى الاهداف الكامنة وراء ما يقوم به ، و ما هو المقابل الذي يريده مقابل هذه الخدمة « التطوعية  » من اجل الشعب ؟

للاسف نحن امام ساحة معركة مفتوحة امام الكل ، المناضل و الدخيل، الوفي و العميل ، المؤمن و الكافر ، الواعي و الساذج ، الوطني و اللاوطني ،و الضحية بطبيعة الحال هو الشعب الذي يرى نفسه مقسما الى اصوات متعددة كل طرف يلحنها حسب هواه .

و حتى لا الزم احدا بما اعتقده و اظنه ، فانا مقتنع تمام الاقتناع ، بان من يحاول مصادمة الشعب مع مكونات الاجماع التي تشكل وحدته ، فانما يحاول هدم هذا الوطن و ادخاله الى دائرة التفتيت و التفكك .

وجود الشعب مرتبط بوجود الوطن و استمراره و قوته و وحدته ، و تطلع الشعب للحياة الكريمة التي تكون الحقوق و الحرية و الواجبات اساسها ، هو حق مشروع يتوجب على الجميع الدفاع عنه و السعي نحو تحقيقه .

لكن ربط هذا المسعى بضرب مقومات الاجماع الوطني ، هو ضرب لهذه المطالب المشروعة ، و توظيف مقيت للشعب في غايات و اهداف بعيدة عن اماله و تطلعاته .

الدفاع عن مقدسات الوطن ، ليس تملقا او كما يحاول البعض تصويره على انه انبطاح و قبول بالامر الواقع ، بل هو دفاع قبل كل شيء عن الوطن و عن استمراريته و وحدته ، و هو كذلك وعي مسؤول بضرورة جعله الشرعية القوية التي ينطلق منها خوض كل النضالات الممكنة من اجل الشعب .

الشعب يسعى الى تغير الواقع ولا يسعى الى هدم الوطن ، الشعب يسعى الى العيش الكريم و لا يسعى المغامرة بالوطن ، الشعب يسعى الى اكتساب حقوقه و لا يسعى الى صراع مع الوطن و مكونات اجماعه، الشعب يسعى الى الحرية و لا يسعى الى العبث بالوطن ، الشعب يسعى الى الحقوق و الواجبات و لا يسعى الى اسقاط الوطن.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *