سلسلة مغرب الحضارة/ عزيز رباح
الجمعة 31 أكتوبر 2025
قرار مجلس الأمن فتح للمملكة، ولإفريقيا، وللأمة الإسلامية، وعتق لدول الجوار، وخاصة الجزائر، من ربقة الانفصال والتوتر، ومن كلفة الصراع. كما أنه فتح لباب كبير من الشراكة والتعاون والتنمية والسِّلم.
منذ أكثر من قرن، وبالضبط منذ سنة 1912، والمملكة تجاهد وتصارع عوادي الزمن بكل تجلياتها لتحقيق السيادة الكاملة، منذ الاحتلال إلى الاعتراف الدولي اليوم.
ومنذ نصف قرن، منذ سنة 1975، سنة المسيرة الخضراء المظفَّرة، والمملكة تجابه تحديات التنمية في الأقاليم الجنوبية في كل المجالات، فكل درهم يُنتَج في الأقاليم يقابله عشرة دراهم من الاستثمار فيها.
واليوم تطوي المملكة كتابًا، لا صفحة، من الجهاد والصراع والتنمية، ومن الدبلوماسية الهجومية أحيانًا والهادئة أحيانًا أخرى. لتبدأ كتابًا جديدًا سيُكتب لا محالة بنفس الروح الوطنية، وعناوينه: صعود مملكة إلى الآفاق الرحبة عالميًا، وإسلاميًا، وإفريقيًا، وجبهة داخلية قوية ومنيعة ومتماسكة تستعصي على الاختراق، ومؤسسات وأجهزة حارسة ويقظة كما كانت وأكثر، ضد المؤامرات المتجددة والخِيانات الخفية، وانتقال دبلوماسي من الإقناع إلى الفرز والشراكة، وبناء مؤسساتي قائم على دولة مركزية قوية تكون راعية وحاضنة للوحدة القائمة على الثوابت الوطنية، ومؤطِّرة للتنوع والخصوصيات، وتحصين اجتماعي وثقافي ضد نزعات إفساد القيم الجامعة والانطواء على الانتماءات المحلية.
سيفتح كتاب جديد لبناء وطني جامع وموحَّد ومستوعِب للتنوع، ولتثمينٍ للروافد المتعددة التي تقوّي الهوية الوطنية ولا تتحول إلى شروحٍ في بنيانها مع الزمن، ولتعزبز اليقظة من مؤامرات مستجدة لعرقلة المسار. وللمملكة، عبر القرون، تراث عظيم في علاقة مركز الدولة بالتعددية؛ مع القبائل والخصوصيات والانتماءات المحلية. ولها قراءات عميقة ومتأنية للتجارب المعاصرة عند الإعداد للجهوية الموسعة، وحتى قبل ذلك. كما لها روابط التأثير والإقناع في الفضاء الدولي، التي نجحت من خلالها في تحقيق المراد، ولها من التماسك الداخلي القوي — مؤسساتيًا وأمنيًا ومجتمعيًا — ما جعلها عصية على المؤامرات.
كل ذلك يؤهلها، بإذن الله، لأن تتفاوض حول أفضل إخراجٍ لحكمٍ ذاتي يؤكد التنوع والخصوصية الصحراوية، لكنه يزيد الوحدة متانة ومناعة ويغلق كل مداخل الانفصال ويحاصر منابعه.
ستكون الصحراء المغربية، في إطار الحكم الذاتي وفي ظل الوطن الموحد، بكل مواطنيها وقبائلها ومدنها وواحاتها وقراها، فضاءً للنهضة المستديمة النافعة للوطن ولسكان الصحراء، ونموذجًا ساطعًا لإفريقيا وللأمة، حيث تتكامل الوحدة والتنوع، وتُفتح أبواب المستقبل أمام إفريقيا وأمنها وشراكاتها الدولية.
> إن هذا الفتح الدبلوماسي والسيادي ليس نهاية المسار، بل هو بداية عهد جديد تتعزز فيه مكانة المملكة كقوة استقرار وتنمية في إفريقيا والعالم الإسلامي. فالمعركة القادمة ليست فقط من أجل تثبيت الوحدة الترابية، بل من أجل ترسيخ نموذج مغربي في السيادة والتنمية.
ويجب أن نُطلع الأجيال الجديدة على هذا التراث الوطني الكبير، تراث قرنٍ من معركة السيادة، ونصف قرن من معركة التنمية، ليكونوا على أعلى درجة من الوعي، وأكثر اعتزازًا بهويتهم الوطنية، وخير مؤتمنين عليها في المستقبل، وأشد إسهامًا في بناء المغرب الصاعد.
“وما كان الله ليضيع إيمانكم، إن الله بالناس لرؤوف رحيم”
صدق الله العظيم






