عطلة أخنوش في سردينيا.. صورة مترفة تفضح خطاب “تامغربيت”

أثارت الصور المسربة لعطلة رئيس الحكومة في جزيرة سردينيا الإيطالية موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ظرف اقتصادي واجتماعي بالغ الصعوبة، يتميز بارتفاع الأسعار، وتزايد معدلات البطالة، واستمرار الاحتجاجات في مناطق مختلفة من المغرب.

سردينيا، الوجهة السياحية الفاخرة التي يقصدها الأثرياء، بدت في صور رئيس الحكومة وكأنها الوجه الآخر لواقع المغاربة اليومي، الذي يرزح تحت ضغوط المعيشة وتردي الخدمات، في حين يرفع الخطاب الحكومي شعارات تشجيع السياحة الداخلية و”تامغربيت”. التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة جعل كثيرين يرون في هذه الصور استفزازًا لمشاعر المواطنين، ورسالة غير مباشرة مفادها أن “القادرين” يعيشون في عالم آخر، بعيد عن المعاناة التي يطالبون الناس بالصبر عليها.

الجدل لا يرتبط بمجرد اختيار رئيس الحكومة لقضاء عطلته خارج البلاد، فذلك في الأصل يدخل في نطاق الحياة الخاصة، بل يتغذى من سياق عام تتسم فيه السياسات الحكومية بالعجز عن معالجة أزمات السياحة الوطنية، وفشلها في جعل المغرب منافسًا حقيقيًا لوجهات متوسطية كبرى مثل إسبانيا وتركيا. ومع استمرار مشاكل الغلاء ورداءة الخدمات السياحية، يجد المواطن نفسه أمام صورة لرئيس حكومته ينعم بخدمات فائقة الجودة في الخارج، بينما يكتفي في الداخل بدعوة المغاربة لدعم السياحة الوطنية.

المفارقة الكبرى أن الحكومة، بدل أن تلتقط رسالة هذا الغضب الشعبي، تواصل خطابها حول “تامغربيت” وكأنها تعيش في عزلة عن الواقع، ما يرسخ الانطباع بأن هذا الشعار لا يعدو أن يكون أداة للاستهلاك الإعلامي، وربما لتبرير الصبر على الفقر وغياب العدالة الاجتماعية. وهنا يطرح سؤال جوهري: كيف يمكن لرئيس حكومة يملك ثروة هائلة، ويختار المنتجعات المترفة في عز الأزمات، أن يقنع المواطن البسيط بأنه يدرك حجم معاناته أو يسعى بجدية لمعالجتها؟

هذا الجدل كان يمكن أن يأخذ منحى مختلفًا لو كان رئيس الحكومة وحكومته منخرطين في تواصل دائم وشفاف مع المواطنين، بما يخلق صورة لمسؤول قريب من نبض الشارع، حاضر في همومه وتفاصيل حياته اليومية. لكن في ظل ضعف الحضور الميداني وغياب المبادرات التواصلية خارج الإطار الرسمي، تتحول أي صورة مترفة إلى مادة مشتعلة للنقد، تكشف الفجوة العميقة بين من يحكمون ومن يُحكمون، وبين ما يُقال في الخطاب وما يُمارس على أرض الواقع.