في كثير من الاحيان ، لا يستطيع المرء ان يفك شفرات عدد من المفارقات العجيبة و الغريبة التي تمر امامه ، و يصبح عاحزا عن الفهم ، و يتحول المنطق الى حاجز يححب عنه ضوء الحقيقة .
و من بين هذه المفارقات العجيبة التي مرت من امامي هذه الايام ، هو مقال بالواشنطن بوسط ، للسيدة عفاف برناني ، تطرح من خلاله تحليلا لقضية الصحفي عمر الراضي باعتبارها صحفية مغربية تنتصب كشاهد نفي ، يعرف الاعييب و اساليب النظام المغربي، في محاصرة الاصوات المعارضة بالبلاد .
بطبيعة الحال لا يتعلق الامر هنا ، باستكثار او تقليل من شأن عفاف ، بقدر ما يتعلق الامر بتساؤل حول كيف تحولت مستقبلة مكالمات بجريدة مغربية “معربة ” ، بعد ان خرجت من المغرب قبل شهور معدودة ، الى صحفية و كاتبة راي دولية ، تفيض بلاغة و قدرة على الكتابة بلغة شكسبير .
الكل يعرف الواشنطن بوسط ، و من يتحكم فيها ، و من له القدرة على النشر بصفحاتها ، و كم يكلف مقال الراي داخلها، و بطبيعة الحال فعفاف المضطهدة و اللاجئة التي تبحث عن لقمة العيش اولا و الحرية ثانيا ، ليس لها لا القدرة و لا الامكانيات المادية و المهنية لسلك هذا الدرب الوعر .
هنا تبرز خيوط التجارة الحقوقية كقمر مكتمل الظهور في سماء الحقيقة ، فمن دبر خروج البراني من المغرب، و من جعلها تتراجع عن اقوالها في ملف الكنبة ، و من يصر على جعل الصحافة و اهلها مداخل لحرب قذرة على المغرب و مؤسساته و وحدته ، هو نفسه من يرسم معالم طريق البرناني ،و هو من يفتح الخزائن العابرة للقارات ، لجعل امثال عفاف يتخلون عن اسمائهم لفائدة مشاريع حقوقية ملتبسة و مشبوهة تستعمل هذه الاسماء ، اعتمادا اما على طمع و جشع اصحابها او سذاجتهم او غبائهم .
للاسف كاتب مقال عفاف بالواشنطن بوسط ، يقفز على الحقائق و يدوسها بقلمه ، كما يدوس على البالونات الهيدروجينية، فهو يقول باسمها انها تعرضت للترهيب و القمع و الاضطهاد ، و في نفس الوقت يقدمها ، كأمرأة حرة ، استطاعت مغادرة المغرب و السفر خارجه بكل حرية ، فهل من يضطهد و من يورط في القضايا الكبرى و من يراقب من المخابرات ، يستطيع مغادرة البلاد بهذه الحرية و بهذه الطلاقة ؟ .
ويزيد هذا الكاتب باسم عفاف، من جرعات التزييف و يدعي انها عاشت نفس تجربة عمر الراضي باعتبارها صحفية مغربية ،و الواقع ان عفاف لم تكن سوى مستقبلة مكالمات لم تمارس يوما مهنة الصحافة ،ورد اسمها في قضية اغتصاب تعرضت له عدد من الصحافيات من طرف مشغلهن ، و ظهرت صورها بفيديوهات فضيحة الكنبة، و اقرت خلال التحقيق معها بصحة ما ورد في شكايات الضحايا ، لتخرج بعد ذلك باتهام غريب و عجيب بتحريف اقوالها ، و هو ما تم دحضه بالصوت و الصورة .
ولان تقمص الشخصيات لا يمكنه مطابقة الواقع بكل تقاصيله ، فكاتب مقال البرناني ، دافع عن كل المضطهدين باسم الصحافة ، الا سليمان الريسوني حيث مر على ذكر اسمه مرور الكرام ، و كان الامر لا يعنيه او لا يدخل في الاولويات .
و لا يمكن القول ان الريسوني سقط سهوا من لائحة الاتهام الموجهة للمغرب ، بل تم تعمد اسقاطه ، فهو متابع بهتك عرض مثلي و ليس امراة ، و هنا تظهر مرة اخرى النوايا و الحسابات الحقوقية التجارية ، فالمس بالمثلين و التشكيك بهم يعني قطع “البزولة ” دوليا ، و انهاء الخدمة على الفور ،و اغلاق كل منافذ المال المحصلة حقوقيا .
و كما يقال اذا ظهر السبب بطل العجب ، لكن الخطورة التي حملها المقال الصادر باسم “البرناني” في الواشنطن بوسط ، هو التطبيع مع الاغتصاب و جعله ممارسة عادية لا تستحق العقاب او المتابعة،و جعل ضحاياه مذنبات و مجرمات ،و منحه للمغتصبين حماية تشرعن افعالهم و جرائمهم باسم الحقوق و الحريات .
ما يعيشه المغرب اليوم من انحراف حقوقي خطير ، و من متاجرة دولية في الحريات داخل ترابه ، لا يمكنه باي حال من الاحوال الاستمرار و التمدد ، و لا يمكن للبلاد ان تظل مكتوفة الايادي امام هذا الابتزاز ، فالمغرب محكوم بقوانين و ظوابط تأطيرية و سيادية لا يجب السمحاح بالدوس عليها و تعطيلها، تحت اي ظرف او مبرر .