علي الغنبوري يكتب : من النضال الى الفعل السياسي

علي الغنبوري

هل لا زلنا بحاجة للنضال كالية للدفاع عن الحقوق و المكتسبات ؟ و هل لا زال النضال ممكننا في ظل كل المتغيرات التي نعيشها ؟ و هل سيبقى مفهوم النضال جامدا بدون تطوير او تغير ؟ كلها أسئلة باتت تشكل موضوع نقاش جدي و موضوعي داخل بنيتنا السياسية و الفكرية ، تتطلب كثيرا من الفهم و الادراك و التخلي عن التقديس و الرؤى الاطلاقية المحيطة بهذا المفهوم .

من المؤكد ان النضال السياسي ، بصورته المترسخة في العقل السياسي المغربي ، كمقاومة و دفاع و تضحية مستميثة عن الحقوق و المكتسبات ، و الوقوف ضد القهر و الغصب و المقاربات الشمولية في الحكم ، قد لعب ادواره ، و حقق نتائج مبهرة ، استطاعت ان تفكك بعض البنيات التقليدية ، و ان تحد من التوجهات و النزعات القمعية في تدبير الشأن السياسي ، و ان ترسم واقعا جديدا اكثر انفتاحا و حرية ، لكن واقع النضال اليوم المتميز بالانحسار و التراجع ، يطرح وضعا متناقضا ، و حاملا لعدد من التأويلات و التفسيرات المتضاربة .

ما يعانيه النضال اليوم ، هو نوع من الغربة السياسية داخل المجتمع ، حيث فقد عناصر جذبه ، و لم يعد آلية تحفيزية للمجتمع لدفعه نحو انتزاع حقوقه و متطلباته ، عبر الصيغ النضالية الكلاسيكية ، واصبحت فعاليته مفتقدة و بدون اي أفق ، بل اصبح موضوع تشكيك و اتهام فيما يخص اهدافه و منطلقاته .

جمود مفهوم النضال ، و غياب أي محاولات او صيغ لتطويره ، و تنازع شرعيته بين عدد من الفاعلين ، حوله لصيغة سياسية بوهيمية و عبثية، كرست لصورة نمطية و ملتبسة حوله، عند مختلف فئات الشعب المغربي ، و افقدته جديته ، و جعلته يتحول الى ثرات سياسي متجاوز على كل المستويات .

أزمة النضال اليوم ، هي أزمة إدراك للمتغيرات الهائلة التي طالت محيطه ، و التي لم يستطع الحاملون لقيمه و مبادئه ، ان يطوروا ممارستهم ، و ان يتخلوا عن رؤيتهم التقديسية له ، و ان ينتقلوا به الى مستويات جديدة ، اكثر قدرة على الانسجام و الاستجابة للمتغيرات الجديدة التي طالت المجتمع .

الواقع المجتمعي اليوم ، يفرض تطور عاجل للنضال ، و انتقاله من صيغته المبنية على القوالب الجاهزة و الاشكال الجامدة ، الى الفعل السياسي المؤثر القادر على مواكبة تطلعات المجتمع ، و الإجابة عن انتظاراته ، من خلال تحول شامل في الصيغ و البنى التي يرتكز عليها النضال .

لا يمكن اليوم الاستمرار ، في الفعل النضالي الجامد ، بأفق محاصر باشكال و انماط كلاسيكية متجاوزة ، و باسوار عالية تمنع اي نقاش حوله ، و باحتكار تام لشرعيته من طرف أقلية بدون اي امتدادات شعبية ، تمنع اي تطور او تقدم في أشكاله و مراكزاته و غاياته.

النضال اليوم يجب أن يتخطى العقبات النفسية و الموروث التاريخي لمفهومه و لمحطاته السابقة داخل البلاد ، و يتطور إلى فعل سياسي عصري مواكب للحركية المجتمعية الجديدة ، الناتجة عن التطورات الهائلة التي عرفها المجتمع ، و القادر على بلورة الافاق الديمقراطية المتوجهة لبناء الدولة الحديثة و القوية .

حاجة المجتمع المغربي اليوم للنضال ، هي حاجة لفاعليين سياسيين متمرسين ، و مدركين جيدا لتطلعات و هموم هذا المجتمع ، و قادرين على بلورة و تجسيد فعل سياسي واقعي و متزن ، قابل للتحقق في شتى المجالات ، و الانعكاس المباشر على الحياة المجتمعية .

ضرورة تجاوز المفهوم الجامد للنضال ، تتجسد في القدرة على تجاوز فكرة الصدام كشكل وحيد لهذا المفهوم ، و الانتقال به الى اشكال اخرى اكثر قدرة على التغير و على التأثير ، و على المساهمة الجادة و الموضوعية في البناء المجتمعي ، في تجنب تام لاي رهن لهذا المفهوم عند اي جهة أو أي توجه معين .

شرعية النضال لا يمكنها أن تنحصر او تبقى لصيقة بشعارات و بممارسة تجعل من الصدام و الرفض و المواجهة ، الشرعية الوحيدة المؤسسة له ، و التغاضي عن كل السلوكيات و القيم الحقيقية لمن يمارسه ، فهو يسير الى التحول إلى غطاء لكل الممارسات المشينة ، التي تختبأ وراء جنباته ، و تجعله فاقدا للمصداقية و الموضوعية ، و تبعده عن اي قدرة على انتاج التغيير .

النضال اليوم كمفهوم و الية للتغير ، يجب ان يشكل موضوع نقاش واسع ، بدون اي قيود و بدون اي حجر على مختلف الاراء ، كما يجب أن يتطور و ان لا يبقى جامدا او سجينا لانماط معينة ، تلغي اي امكانية للتغير و الفعالية المرجوة من اي شكل نضالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *