الزواهري خالد
عادت من جديد ظاهرة “الزعماء الأبديين” لتخيم على المشهد السياسي المغربي، بعد عودة عبد الإله بنكيران لقيادة حزب العدالة والتنمية لولاية ثالثة.
خطوة أثارت الكثير من الجدل، ليس فقط داخل الحزب، بل في الساحة السياسية الوطنية ككل، لما تحمله من دلالات حول مسار الديمقراطية الحزبية، وحدود التداول الحقيقي على السلطة داخل الأحزاب.
عودة بنكيران فتحت الباب على مصراعيه أمام زعماء أحزاب أخرى للسير على نفس النهج، وعلى رأسهم إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يُرتقب أن يعلن عن ترشحه لولاية رابعة خلال المؤتمر المقبل. وإذا حدث ذلك، فستكون سابقة تُكرّس منطق “الزعيم الذي لا يُستبدل”، في تحدٍ صارخ لمبدأ التداول القيادي الذي يُفترض أن يكون قاعدة في الأحزاب ذات المرجعية الديمقراطية.
في الأنظمة الحزبية الديمقراطية، تُحدد ولايتان كحد أقصى لتولي الزعامة، حفاظاً على الدينامية الداخلية وضخّ دماء جديدة، وتجنيب الحزب خطر الشخصنة والتكلس التنظيمي. إلا أن ما نراه في المغرب هو العكس تماماً: زعامات حزبية تعمر لعقود، تهيمن على القرار، وتُحكم قبضتها على الأجهزة التنظيمية، أحياناً تحت ذريعة “الإجماع” وأحياناً تحت غطاء “الظرفية الصعبة” التي لا تحتمل تغييرا.
هذا الواقع يُنفر الأجيال الشابة من الانخراط في الحياة السياسية، ويعمّق فقدان الثقة في الأحزاب، التي تتحول في نظر العديد من المواطنين إلى دكاكين انتخابية يقودها شيوخ سياسيون لا يفسحون المجال أمام الطاقات الجديدة. فكيف يمكن لحزب يدعو إلى التغيير والحداثة أن يقوده نفس الشخص لأكثر من عقد؟ وأي نموذج يقدمه لشباب يتطلع إلى الممارسة السياسية على أسس الشفافية والمشاركة؟
إن أزمة الزعامات المزمنة ليست فقط مسألة تنظيمية داخلية، بل مؤشر على هشاشة البناء الديمقراطي الحزبي، وغياب إرادة حقيقية لتطوير الممارسة السياسية. وإذا استمر هذا النهج، فإن الأحزاب ستفقد وظيفتها الحيوية كوسيط بين الدولة والمجتمع، وستتحول إلى منصات شخصية مغلقة، بعيدة عن هموم المواطنين وتطلعاتهم.
إن الزمن السياسي تغير، والأجيال تغيرت، لكن بعض الزعامات لم تتغير… وهذا هو جوهر الأزمة.