فاتح ماي.. ها هي الذكريات التي تنبعث من زمن النضال؟

عزيز اللاك
ها هي الذكريات تنبعث من زمن النضال، تمتزج فيها الحكاية بالشعور، وتسري الروح في أمواج من الحنين والعزم.

فاتح ماي، نبض الأرض وصدى الأجيال.

في المسيرات الأولى، كنت أسمع الهتافات تتردد في رحم أمي، تنمو معي كما تنمو العروق في الأرض العطشى للمطر. خرجتُ إلى الدنيا على إيقاع الخطوات الثابتة، تلك التي تملأ الشوارع بالتصميم، وتشهد الشمس على ألوف الأيدي المرفوعة، لا للمطالبة فحسب، بل للإصرار على أن يكون الغد أجمل.

كبرتُ بين رايات العمال، كنت أتعلم الأبجدية من اللافتات، وأحفظ النشيد من حناجر المُضربين، صار فاتح ماي يومًا مقدسًا في طفولتي، طقسا سنويا لا يكتمل العام دونه. كنت تلميذًا ثم طالبًا، ولم يكن يوم العمال يومًا عابرا، بل كان جسرًا بين الأمس والغد، بين صرخة المطالب وأمل التحقيق.

وحين التحقت بالعمل، لم يكن أمامي إلا أن أستكمل المسير. لم أكن مجرد فرد في الموكب، كنت امتدادًا للأصوات التي سبقتني، صرت صوتًا إضافيًا في الجوقة، ثم صرت قائدًا، أرفع الشعارات، وأمضي بصفوف العشرات والمئات، صرت أرى في العيون أمانة التاريخ ومسؤولية الأمل.

واليوم، بعد ازيد اربعين عامًا من النضال، وأنا على أعتاب التقاعد، لا أتراجع ولا أنسحب. قد تركت المسؤولية النقابية خلفي، لكن لم أترك المبادئ التي سرت معها. أخرج غدًا كما خرجت الأمس، أسير بين العمال وأردد معهم نداء الحقوق.

فأنا ابن هذا الطريق، وظلّي سيبقى ممتدًا فيه، حتى بعد أن تتوارى خطاي عن الشوارع، سيظل صداه يسكنها، وسيظل فاتح ماي عيدًا للذاكرة وللنضال، وكأن الأرض تخفق به، كما يخفق القلب في صدر المناضل.
ورزازات في 30/4/2025